أعمدة

جمال عنقرة يكتب في تاملات … مصر والسودان .. ورمضان كمان

من طرائف أهلنا الحلفاويين أن سياسيا زارهم بعد انتفاضة أبريل ١٩٨٥م، وسقوط نظام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري الذي كان قد طبق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان، فقال هذا السياسي في خطابه “سوف نلغي الشريعة الإسلامية” فقال له أحد ظرفاء حلفا “ورمضان كمان” تذكرت هذه الطرفة عندما علق أحد القراء علي مقالي “السودان ومصر.. التكامل لم يعد سقفا كافيا” والذي دعوت فيه إلى وحدة شاملة بين السودان ومصر، فكتب لي هذا القارئ “الوحدة خلوها، خليهم يطبقوا الحريات الأربع الآن”
وقبل التعليق علي الردود والتعقيبات الكثيرة علي هذا المقال، وأكثرها كان معضدا وداعما للفكرة، لا سيما مقال الصحفي العظيم الأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام العملاقة، لا بد من وقفة مع مسألة الحريات الأربع التي يتناولها كثيرون، لا سيما الذين يقيمون في مصر من السودانيين، أو الذين لديهم مصالح في مصر، ويسافرون إليها كثيرآ، وتعنيهم منها حرية التنقل، والإقامة في البلدين.
وكما هو معلوم فإن مصر كانت قد اعتذرت عن دخول السودانيين إلى أراضيها بدون تأشيرة دخول مسبقة، وكان منطقها في ذلك أنه يوجد غير سودانيين كثر يحملون جواز سفر سوداني، وبينهم مصريون مطلوبون للسلطات المصرية، لذلك رفضت العمل بحرية التنقل والإقامة لكل السودانيين، واستاذنتها الحكومة السودانية في تطبيق ذلك من طرف واحد، فوافقت مصر، فظل المصريون يدخلون السودان بدون تأشيرة دخول، بينما يتطلب دخول السودانيين مصر تأشيرة دخول، وظل الوضع هكذا إلى أن حدثت بعض التوترات، ففرض السودان تأشيرة دخول علي المصريين مثلما تفعل مصر تماما، ولا يزال الوضع هكذا.
وفي تقديري أن متغيرات كثيرة قد حدثت تقتضي إعادة النظر في كل ذلك، أولها أن الحكومة السودانية سحبت الجوازات من كل الذين كانوا يحملونها من المصريين ومن غير المصريين كذلك، وهذا يعني أن مخاوف مصر في هذا الجانب قد زالت، ثم أن تعبيد طريق الوحدة، أو التكامل، أو حتى التواصل الإيجابي يحتاج إلى مثل هذه الإجراءات، أو علي الأقل، وعلي وجه السرعة – اليوم قبل غد – يحتاج إلى مراجعات حاسمة، وفاعلة، ولعل أكثر ما يعاني منه السودانيون في مصر مسألة الإقامة، وما يترتب علي التخلف بعد انقضاء الشهور الستة التي تمنح لكل داخل إلى مصر في ميناء الدخول، وبالنسبة لمسالة الإقامة يبدو أن هناك شروط قاسية، وبين يدي مثال لرئيس الجالية السودانية في مصر الدكتور حسين محمد عثمان، الذي ظل يعاني لأكثر من عام من أجل الحصول علي إقامة، رغم تدخل سفراء، ومسؤولين كبار من السودان ومصر، واتمني أن يكون قد نالها الآن، ودكتور حسين قبل أن يكون رئيسا للجالية السودانية في مصر، فهو مقيم في مصر منذ العام ١٩٩١م، دبلوماسيا في الجامعة العربية وصل إلى درجة وزير مفوض، وكان مديرا ماليا لمنظمة العمل العربية إلى أن بلغ سن المعاش، ويمتلك أكثر من شقة في قلب مصر، ومع ذلك ظل لأكثر من عام يبحث عن إقامة في مصر.
هناك قضية أخري تقلق السودانيين في مصر، وهي تجاوز مدة الستة شهور، وكثيرون من هؤلاء يتخلفون بسبب العلاج أو المرافقة، أو الدراسة، وقد يطيب لبعضهم المقام، وكثيرون يبقون لفترات أطول بعد انقضاء مهامهم في مصر بسبب الغرامات التي يجب عليهم سدادها قبل المغادرة، وإلى أن يتم معالجة ذلك بصورة جذرية بين السلطات في البلدين، اقترح أن يقدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باقة محبة للسودانيين، ورسالة مودة لهم، هو وهم أهل لها، بأن يوجه بتصفير عداد كل السودانيين الموجودين الآن في مصر، ويعتبرونهم قد أتوا مصر اليوم، ويمنح كل واحد منهم ستة شهور إقامة، خلال هذه الفترة يعود من يريد العودة إلى السودان بدون غرامة، ومن أراد أن يبقي في مصر يوفق أوضاعه عبر إجراءات نتمتي أن تيسر لمواطني البلدين في السودان ومصر، إلى أن يتحقق حلمنا الكبير بوحدة وادي النيل كله، من نمولي إلى الإسكندرية بإذن الله تعالي.
وبالنسبة لموضوع الوحدة بين السودان ومصر، فلقد سعدت كما ذكرت بمناقشات جادة حول هذا الموضوع، وفي كثير من مجموعات التواصل الاجتماعي، لا سيما مجموعة “النسخةالأصلية”، ولكن يبدو أن البعض قد نظر إلى الشكل دون المضمون، فانشغلوا بتفاصيل قد تصرف الناس عن جوهر الموضوع، فالمسالة ليست مجرد إجراءات وقوانين، وقد لا تطلب الوحدة مسح دولة من الوجود، ولا حتى إلغاء إسمها، أو علمها، أو حتى عملتها، ولكن المطلوب أولا إحساس لدي المواطنين في البلدين أنهم شعب واحد وبلد واحد، ثم يعزز ذلك بقوانين وإجراءات، والآن في أوربا التأشيرة الشنقل تتيح دخول كل دول الإتحاد، و” اليورو” يتسوق به في كل دول الإتحاد الأوربي.
وفي السودان عندنا الجنوب انفصل منذ العام ٢٠١١م، وصار دولة مستقلة ذات سيادة، وعلم وعملة، ولكن لا يزال احساسنا أننا بلد واحد وشعب واحد، وأذكر قبل بضعة أعوام فرضت وزارة التربية والتعليم السودانية رسوم إمتحان علي الطلاب الجنوبيين بالدولار، مثلما تفعل مع كل الطلاب الأجانب، فقامت الدنيا ولم تقعد، إلى أن تدخلت السلطات السيادية العليا، والغت هذه الرسوم الدولارية، وصار الجنوبيون يدفعون ذات الرسوم التي يدفعها اشقاؤهم السودانيون.
وكثيرون من السودانيين يعيشون في مصر بإحساس المواطن الأصيل، وكذلك الحال بالنسبة لعدد كبير من المصريين في السودان، ودائما ما اقول مثلما لا أقصر الصلاة في مسقط رأسي في السودان مدينة أم روابة، لا أقصرها كذلك في مدينة كفر الشيخ المصرية، مهبطي الأول في مصر، ومهد دراستي الجامعية، والتي عرفنا بها، وعرفت بنا، وكثيرون من السودانيين خلدت مصر في وجدانهم، وخلدتهم، ولعل اشهرهم نجوم الرياضة والفن، مثل الكابتن عمر النور الذي يحمل أحد ملاعب نادي الزمالك الستة إسمه، رغم مرور آلاف النجوم علي هذا النادي العريق، ولكنهم حفظوا للكابتن عمر النور أنه صاحب أعظم إنجاز في تاريخ النادي، إذ لم يحدث للنادي الاهلي أن هزم الزمالك طوال مسيرة عمر النور في الزمالك، وعلي ذكر عمر النور في الزمالك لا بد أن يذكر الكابتن عبد المنعم مصطفي “شطة” في الأهلي، فبعد أن اعتزل الكرة ضمه النادي الأهلي لمجموعة التدريب، ثم دفع به للكاف رئيسا للمكتب الفني، والآن يسند له رئاسة أكاديمية كرة القدم، وفي السينما لا يمكن أن تذكر السينما المصرية ولا يذكر المخرج السوداني المبدع صانع النجوم المخرج سعيد حامد، وهؤلاء ذكرتهم المثال فقط وليس الحصر، ولعل أهم معلومة عن هؤلاء، وعن غيرهم من النجوم السودانيين في مصر، أنهم جميعا لا يزالون يحملون الجنسية وجواز السفر السوداني، ذلك أن احساسهم وإحساس الناس بهم، أكبر واعمق من اية ورقة، وقبل أيام ارسل لي صديقي بابكر الجيلي احتفاء شركة فودافون المصرية بابنه محمد الذي يعمل فيها، وهو من المميزين النادرين في مجال الإتصالات، وتفضله الشركة المصرية علي كثيرين من أبناء مصر، وقد خصصت له مكانا عليا.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى