الأخبار

جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. الموسيقار بشير عباس .. حكايات وذكريات

كثيرون استغربوا لعدم كتابتي عن الموسيقار الراحل بشير عباس، لا سيما الذين يعلمون الصلات التي بيني وبين الراحل المقيم، فأكثر الذين كتبوا عنه، كتبوا عن فنه وإبداعه، وكل الذين كتبوا أصحاب معارف ودراية في هذا المجال، وكنت اتابع وأقرأ كل ما يكتبون، وفيه توثيق مهم لسيرة الراحل الفنان، ولعطائه الذي امتد لعشرات السنين، خلف وراءه ذخيرة تعتبر من كنوز الفنون والإبداع.
وفي هذا المقال أتحدث عن ذكريات خاصة، وصلتي بالراحل المقيم من صلتنا بأهلنا الشايقية عموما، وأهلنا في حلفاية الملوك علي وجه الخصوص، ومع أن جدنا الأمير النور عنقرة بديري دهمشي، لكنه كان يحمل في وجهه شلوخ الشايقية، ويحمل لهم معزة خاصة، حتى أن بعض الكتب نسبته للشايقية، وكان لا يتحدث عنهم إلا بقوله “أولاد عمي” ومن طرائفه أن حفيده محمد الحاج نجل ابنته عائشة رغم أن والده الأمير أحمد الرضي من الحوازمة، لكن لما رآه بعد ولادته قال لهم “الولد ده فارس، شلخوه شايقي” فكان ابو سكينة حازمي ومشلخ شايقي، وصدقت فيه نبوءة جده الأمير، فكان الاشبه له، وكان فارسا.
ولما نزل النور عنقرة أول مرة من الشمالية إلى العاصمة سكن الحلفايا، وكان معه تسعة عشر من أبناء عمومته الشايقية، وفي الحلفايا تجندوا في الجيش المصري “الأوردي” وسافروا إلى مصر قضوا فيها عامين، ولما عادوا مفصولين من الجيش المصري، نزل أيضا حلفاية الملوك، وتزوج حبوبتنا أم بابون بت حمد، وهي التي جمعتنا بأهل الحلفايا، وهي والدة عمنا السنجك عباس، وشقيقته بتول الوثاق المتين بيننا وبين أهلنا في الحلفايا، وهي والدة اختنا كتيرة أم أبناء مختار ود أحمد المعروفين في حلفاية الملوك.
تحضرني في هذا المقام قصتان للموسيقار بشير عباس، والقصتان في مصر، الأولي في العام ١٩٨٣م، عندما جاء الأخ الدكتور عبد الحليم المتعافي عريسا مع زوجته الأخت الدكتورة هند مامون بحيري، وكان دكتور مامون يرحمه الله موجودا في القاهرة، وكان ينزل في فندق كليوباترا في شارع البستان مواجه لمكاتب الخطوط الجوية السودانية في ميدان التحرير، فاقام دكتور مامون مائدة عشاء للعروسين في الفندق، ودعا لها الفنان السر قدور والموسيقار بشير عباس، وعلي أوتار بشير عباس غني السر قدور ثلاث أغنيات من تاليفه والحانه لم يغنها من قبل، هي يا ريت، ونسيم شبال، والريد بحر يروي ويغرق، فسجلها بشير عباس في كاسيت، وفي بهو الفندق قابل الفنان كمال ترباس وحكي له عن أغنيات السر الجديدة، فاغراه ترباس واخذ منه الكاسيت، وفي الصباح اتي ترباس إلى السر في المكتب، وسلم عليه بحرارة، وأعطاه مبلغا محترما من الدولارات، ثم سأله عن الأغنيات الجديدة، فلما قال له السر تعال أكتبها ليك، قال له ترباس “ما تكتبها لي، هي قاعدة في جيبي، أكتب لي تنازل عنها” وقد كان.. وعلي ذكر يا ريت اذكر مرة جاء أحد للسر قدور وقال له إن ترباس خدعك، واثري من اغنية يا ريت، فقال له السر “يا ريت انا قاعد أزبلها؟”
القصة الثانية حدثت عام ١٩٨٨م في القاهرة أيضا في فيلا النصر في تقاطع شارع الثورة مع شارع العروبة حيث كان يسكن الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري، فزارنا الموسيقار بشير عباس ومعه الفنان حسين شندي، وتلك كانت المرة الأولي التي أتعرف فيها علي الفنان المحترم حسين شندي، وأكثر ما لفت نظري فيه أدبه الجم، وأذكر أنه كان يغني جالسا، علي أوتار بشير عباس الذي كان يجلس جواره، وكنا جميعا جلوسا، وكان ينهض واقفا كلما وقف الرئيس نميري، وأذكر أني في تلك الجلسة سمعت “قطار الشوق” لأول مرة منه، وعرفت من بشير قصة تنازل حسين عنها للبلابل عندما كانوا في رحلة إلى أديس أبابا، وادنها بابهار فتنازل حسين لهن عنها، ولما ابديت لحسين شندي اعجابي بطريقة أدائه لها، صار كلما يشاهدني في حفل يغني “قطار الشوق”
الرحمة والمغفرة للموسيقار العظيم بشير عباس، وحار التعازي للأهل القريبين والبعيدين، ولأهل الفن والإبداع، ولا نقول إلا ما يرضي الله “إنا لله وإنا إليه راجعون”

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى