الأخبار

(تأملات) ..جمال عنقرة .. السودان ومصر.. أجندة واحدة ومصالح مشتركة

تحدثنا كثيرا مع أختي الأستاذة عبلة مهدي عبد المنعم الناشطة المجتمعية المعروفة، مؤسسة ورئيسة منظمة حواء المهمومة ومهتمة بشؤون المرأة والطفل، تحدثنا عن العلاقات السودانية المصرية، وكلما نفتح باب حديث عن العلاقات السودانية المصرية مع عبلة تقول لي “أنا زيك يا جمال بحب مصر، والمصريين اهلي.. لكن!” و”لكن” عبلة هذه تتبعها تحفظاتها وملاحظاتها، وأكثر ما يقلق عبلة أن بعض المصريين ينظرون إلى السودان والسودانيين بتعال، وبعض السودانيين يكرهون المصريين بدون سبب، وقالت أنها تستغرب لسودانيين يعيشون في مصر معززين مكرمين، يتمتعون بكل خيرات مصر، ويسيئون إليها، وهنا حكيت لها واقعة اضحكتها كثيرا، وهي أن مصر كانت لها مباراة فاصلة في كرة القدم مع دولة أفريقية، وكانت المباراة معادة، وكان ذلك في تسعينيات القرن الماضي علي أيام وجود قيادات وقواعد من التجمع المعارض لنظام الإنقاذ في مصر، وكنا نشاهد المبارة في قهوة “جيجي” بشارع فؤاد في وسط القاهرة، وكانت ملتقي للسودانيين المقيمين والقادمين، فلما أحرز الفريق الإفريقي هدفا في مرمي مصر، صاح السودانيون مهللين ومكبرين فرحين بالهدف الإفريقي في مرمي مصر التي تاويهم وتستضيفهم، وقد ضاقت عليهم بلدهم.
ورغم أهمية مثل ملاحظات عبلة هذه، لكنني غير مشغول بها كثيرا، فهي أولا لا تشكل حالة عامة، ولا غالبة، لا بين السودانيين، ولا في وسط المصريين، وكثير منها يعود إلى عدم المعرفة، وأهلنا يقولون “الما يعرفك يجهلك” وللأسف الشديد نحن نعرف مصر أكثر مما يعرف المصريون السودان، وهذا يعود لسببين أساسيين، أولهما نحن في السودان مهتمون بالمعلومات والمعارف العامة، والمصريون يهتمون بما يخصهم فقط، والثاني أن مصر ثقافتها طاغية، ليس في السودان وحده، ولكن في العالم كله، ونحن في السودان تفتحت أعيننا علي الكتاب المصري، والصحافة المصرية، والسينما المصرية، وغيرها من وسائل ووسائط الثقافة والعلوم، والأهم من ذلك كله أن تحديات هذه المرحلة، علي السودان ومصر، والسودان في المقام الأول تفرض علينا في البلدين الأكثر من شقيقين أن نتسامي، ونسمو فوق كل الخلافات والاختلافات الثانوية الصغير لمواجهة المخاطر والتحديات الكبيرة التي ليس أمامنا في السودان ومصر خيار سوي مواجهتها صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وقرأت يوم أمس الأول مقالا مهما لاخي الدكتور عادل عبد العزيز الفكي يتحدث فيه عن إمكانية أن يكفي السودان حاجته ومصر من القمح، واقول أن السودان ومصر لو تكاتفا، ووضعا الرحمن في قلبيهما لصارا قبلة للعالم أجمع، وهذا ما يجب أن يعمل له كل السودانيين والمصريين علي حد سواء، ولتحقيق هذا الهدف السامي النبيل لا بد أن نجتاز كل العقبات والمتاريس الموضوعة في طريق التلاحم الشعبي والرسمي السوداني المصري، وتوجد هذه الأيام حملة منظمة، ومخدومة للتفريق بين مصر والسودان، وبين المصريين والسودانيين وهذا ما يجب أن ننتبه إليه ونتعامل معه بوعي، فمصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ليس لديها مصالح احادية في السودان، فاي مصلحة يمكن أن تحققها مصر في السودان، للسودان مثلها أو أكثر، وذات الشئ بالنسبة للمصالح السودانية في مصر، ولا أجد أي حرج في القول بأن مصالح السودان والسودانيين في مصر، أكبر من مصالح مصر والمصريين في السودان، وليس هذا مقام ولا مقال الحديث عن ذلك تفصيلا، ثم أن تحديات البلدين مشتركة كذلك، وفي مقدمتها التحديات الأمنية، وتحديات المياه، وهذا كله يستوجب تسام أكثر علي كل الصغائر من أجل المصالح والتحديات الكبيرة، والعظيمة.
ويواجهنا في السودان تحد عظيم آخر في هذه المرحلة، وهو تحدي تداعي الدول علينا كما تتداعي الأكلة علي قصعتها، وكلهم – قريبهم قبل بعيدهم – يستهدفون مسخ السودان، وسلبه ارادته، ورهن قراره، وتحويله إلى تابع ذليل، ومصر وحدها التي تقف معنا بقوة ووعي، ومسؤولية، وكثيرون لا يعلمون أنه لولا مصر – من بعد فضل الله تعالي – لفقدنا الكثير، ومن ذلك اراض عزيزة، استخدموا كل الوسائل لنهبها، ولا يزالون، ويعلم القاصي قبل الداني أنهم كلما حاولوا خنق السودان وشعبه بأزمة، فتحت لهم مصر ألف باب يخرجون به من تلك الأزمات، ولعل الناس يذكرون أزمة الخبز الحادة التي مرت قبل ذلك، وغيرها أزمات كثيرة.
المسؤولية الأكبر تقع علي عاتق المسؤولين في البلدين، وعلي قادة الرأي والفكر والمجتمع، في قيادة البلدين والشعبين الشقيقين لتجاوز هذه المرحلة وتحقيق التلاحم المطلوب، ومسؤولية الحاكمين أكثر من مسؤولية المحكومين، فهؤلاء بيدهم القرار، وقبل ذلك كتبت أكثر من مقال في شأن موضوع الحريات الأربع، وكتب غيري كثيرون، وطرحت فكرة اسميتها “تصفير العداد” قصدت منها اعتبار السودانيين الموجودين في مصر، والمصريين الموجودين في السودان، قد وصلوا اليوم، ومنحهم جميعا إقامة ستة شهور، كافية لمن أراد أن يرتب حاله للعودة إلى بلده، أو توفيق أوضاع إقامته، ولقد وجدت هذه الفكرة استحسانا منقطع النظير لا سيما من السودانيين المقيمين في مصر، ومن السادة سفير السودان في مصر معالي السفير الهميم المجتهد السفير محمد الياس ومن رئيس الجالية السودانية في مصر الرجل الأمة الدكتور حسين محمد عثمان حماد، وكنت – ولا زلت – أتوقع أن تستجيب القيادة العليا في البلدين لهذا الطلب، وهو ليس عليهم بعزيز.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى