مقالات

خواطر في التوبة والأوبة بقلم : *ياسر يوسف إبراهيم*

النفس بطبيعتها أوابة رجاعة للحق ، إذ مهما انحدرت نحو مساوئ الدركات ، واستجابت لوسواس الباطل فسلكت طرق الظلمات إلا أن الفطرة السوية ستظل مستيقظة تنبه الغافلين وتحثهم للرجوع إلى طريق الحق وسبل الهداية..
والمحظوظون في الدنيا هم أولئك الذين أعطاهم الله ضميرا فطنا تتحرك فطرته السليمة بالندم كلما أوغلت النفس في إقتراف الآثام والغرق في لجج الظلمات ( *إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون* ) الأعراف الآية 201، ولأن ابن آدم خطاء بطبعه فإنه يظل دائما في صراع عنيف بين النفس والروح ، بين الحق والباطل ، بين السمو إلي العلا وبين الإخلاد إلي الأرض ، فالروح تجاهد للإرتقاء بالإنسان إلى أصل وجودها وهو السماء بينما يجره الجسد إلي عالمه وهو التراب ، هذا الصراع المرير بين نوازع الخير والشر هو معركة الإنسان في محياه لتحقيق غاية وجوده في الأرض مستخلفا ( *وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ) الذاريات الآية 56 ، فكلما تغلب جانب الروح كان الإنسان أقرب إلي السمو الذي يرفعه فوق مرتبة الملائكة ( *إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية* ) البينة الآية 5، وكلما إستجاب لنداء الجسد إنحدر لقاع تحت مستوي الحيوان ( *ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون*) الأعراف الآية 179 ..
ومن لطف الله علي عباده أنه جعل هذه المجاهدة مستمرة ليظل الإنسان ساعيا بين التوبة والأوبة ، بين الذنب والإستغغار ، وذلك هو جوهر التدين أي محاولة الإنسان الإنتصار علي نوازع الشر ودواعي السقوط ، ومجاهدة نفسه هواها ليكون من الأوابين التوابين ، وحتي حين يسقط وهو في هذا الطريق ( فإنه سقوط علي الركبتين قد ينتهي بصاحبه إلي الصلاة ) فيكتور هوجو ، البؤساء …
ومن المهم أن تستوعب الأنفس الباحثة عن الهداية أن السقوط ليس سببا للبقاء في الحضيض ولكنه حافز لمواصلة الرحلة ، فباب التوبة مفتوح ، ورب العزة يفرح بتوبة عبده ( *لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته التي عليها طعامه وشرابه فأضلها في أرض فلاة، فاضطجع قد أيس منها، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة على رأسه فلما رآها أخذ بخطامها وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح*) ، ولذلك يجب علي المسلم إستحضار معية الله وتحقيق معني قوله تعالي ( *وقل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* ) ، فإن إلتزم ذلك الطريق صفا القلب وطوعت الجوارح فتألف النفس حينئذ ملازمة العبادات ، والقيام للفرائض والمستحبات ( *فمن ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن اغترف اعترف ومن اعترف أدمن ما عرف* ) اللهم ارزقنا توبة تقودنا إلي صفاء القلوب وقوة الأبدان علي الطاعة وثبات النفوس علي الايمان …

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى