أعمدة

بُعْدٌ .. و .. مسَافة* .. *مصطفى ابوالعزائم”.. *الحملة الشبابية لطرد فولكر …*

إنتظمت البلاد حملة شبابية جديدة ، خلال الأيام الماضية ، هدفها الأول والأخير هو طرد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتّحدة ، ورئيس بعثة يونيتامس في السودان ، وهي حملة متوقعة وغير مستغربة ، من شباب شاهدوا وتابعوا النكبات التي حلّت بالدول التي وجدت بها مثل هذه البعثات ، والنماذج متوفرة في العراق وليبيا ، وغيرهما من الدول التي حلت بها لعنة الشقاق والنفاق وعقوق أبناء الوطن ، والصراعات على السّلطة دون استحاقات طبيعية .
حملة طرد فولكر ، جاءت تحت شعارات مثل ” سودانّا بلد متعافي ، من اليوم فولكر مافي ” .. وقد قفزت إلى الذاكرة أحداث مشابهة ، وقعت في السادس من مارس في العام 2006 م ، عندما هاجم اتحاد الطلاب السودانيين في ذلك الوقت ، مساعد الأمين العام للأمم المتّحدة في السودان ” يان برونك ” ودعا رئيس الإتحاد إلى طرده من السودان ، بل قال في تصريحات كنت شاهداً عليها ، من خلال مؤتمر صحفي عقده داخل قاعة المركز السوداني للخدمات الصحفية ، المعروف إختصاراً بإسم ” إس إم سي ” وكنت وقتها نائباً لرئيس تحرير صحيفة الوطن الغراء ، أستاذنا وأستاذ الأجيال الراحل المقيم ، سيدأحمد خليفة ،. وإتفقنا على نشر الخبر عنواناً رئيسياً ” مانشيت ” في عدد الغد ، وقد كان .
قامت الدنيا ولم تقعد بسبب الخبر لأن رئيس الإتحاد وقتها قال إنه يرصد مائة ألف دولار أمريكي ، لمن يأتيه برأس برونك ، عقاباً له على ما أسماه مواقفه العدائية في قضية دارفور .
تم إستدعاء رئيس التحرير الأستاذ سيد أحمد خليفة ، ونائبه الذي هو كاتب هذا المقال ، من قبل نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة ، وتم التحقيق معنا ، ثم إعتقالنا ، رغم إفاداتنا بأن هناك شهود على الأمر ، ولكن رئيس الإتحاد أنكر ، وشهد الشهود بأنه قال ذلك ، ومن بينهم الأخ الصديق والزميل الشهيد الراحل محمد طه محمد أحمد ، بل والمضحك في الأمر إن البلاغ كما ذكر لنا المحققون ، وهم من جهاز الأمن والمخابرات الوطني في ذلك الوقت ، قام بفتحه رئيس الإتحاد نفسه ، ولكننا كنا نعلم إن جهاز الأمن هو من قام بالقبض ، ثم جيئ برئيس الإتحاد لاحقاً ليقوم بذلك الاجراء الشكلي ، وتم التحقيق معنا حول الخبر المنشور وظروف نشره ، وظل التحرّي معنا طوال اليوم ، ولكن في أوقات متفرّقة ، وتم الزّجُّ بنا في زنزانة لا فرش فيها ولا متاع ، وكنت منزعجاً ليس بسبب الإعتقال ، ولكن لسببين ، الأول هو أنني كنت على موعد مع بعض الساسة والزملاء لمقابلة الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري رحمة الله عليه ، لنكون شهوداً على مصالحة بينه وبين الدكتور منصور خالد ، رحمة الله عليه ، وكان موعدنا الجمعة ، بينما تم الإعتقال عصر الأربعاء .
أما سبب الإنزعاج الثاني فهو أنني كنت مغادراً إلى جمهورية الصين الشعبية يوم السبت التالي للقاء الرئيس نميري ، وذلك بدعوة من الحزب الشيوعي الصيني ، وللمشاركة في دورة خاصة بالعلاقات الصينية الأفريقية ، في بكين بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية الصينية ، ضمن مجموعة من الصحفيين الأفارقة الذين يمثلون ثلاثة وعشرين دولة إفريقية ناطقة بالأنجليزية ، وقد كنت حريصاً على تلك الدورة التي كنت أرى أن هذا الإعتقال سيحرمني من المشاركة فيها .
سألت المحقق عن الايام المتوقعة للحجز والإعتقال ، وأخبرته بكل صراحة إن هذا الأمر سيحرمني من المشاركة في دورة تعتبر حلماً للكثيرين ؛ همس الرجل في أذني وقال لي بكل وضوح : ” أوعى تجيب سيرة زي دي هنا عشان ما يحرموك من المشاركة ” .
خبر الإعتقال طار في أنحاء العالم ، وأحرج السلطات ، فكان أن تم إطلاق سراحنا مع ضرورة كتابة تعهد ، وما كنت أريد كتابة التعهد لكن ذلك الضابط الإنسان ، غمز لي بعينه لأوقع على التعهّد الجاهز ، ففعلت ، وتم إطلاق سراحنا بعد ثلاثة أيام كأنها الدهر كله .
الآن الحملة الشبابية لطرد فولكر تكبر وتتنامى لكن دون وعيد أو تهديد ، وأرى أنها ستفلح في طرد فولكر في آخر الأمر ، ليغادر دون وداع ، وغير مأسوف عليه ، ولا نملك إلا أن نقول : ” الله يجازي اللي كان السبب ” .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى