مقالات

الدكتور ـ عبدالماجد هارون يكتب حروف باكيـــة : محى الدين أبو الزاكى .. شواهد ومناقب ..

لأول مرة علي الإطلاق ألجأ إلي هذا الحائط واستجير به بعد ان ضاقت بي الدنيا واستبدت بي الظروف ولم أجد مكانا ولا متكأ يستوعب لوعتي وحزني في مصابي الكبير وحزني اللا محدود علي فراق إبني الذي لم انجبه وأخي الأصغر وصديقي وإبن عمي ورفيق دربي المغفور له بإذن الله محي الدين ادم إسحق ابوالزاكي …
بدأت علاقتي به منذ صرخة ميلاده الأولي وامتدت دون إنقطاع الي ان نعي الناعي نبأ وفاته صباح التاسع من مايو ٢٠٢٢م بمستشفي الطوارئي والعناية الكائن بشارع احمد عرابي بمدينة المهندسين بالقاهره… لم اتمكن منذ تلك اللحظه إلي هذا الصباح ان اكتب كلمة واحدة في حقه رغم محاولاتي المتكرره لتثبيت يدي المرتعشه علي لوحة الطباعة وذلك لأنني كلما استعين بذاكرتي او بقاموس اللغة العربية لأستعير منهما ما يناسب من كلمات وعبارات تليق بنعي المرحوم ورثائه افشل في هذه المهمة لأنني ببساطه قد وجدت كل كلمات اللغة ومفرداتها تتقزم امام وصفه ولا تكفي لتحكي عما اريد ان اسطره عن ذلك الشاب النبيل الوفي التقي، العارف بالله، المراعي لحقوق وواجبات العلاقات الانسانية، المتفاني في واجباته، المتفوق في تحصيله الاكاديمي، المميز في ادائه الوظيفي، المتعفف عن سيرة الاخرين، الباسم الضاحك البشوش المتسامح الخجول.سيرته العطرة وسريرته النقية كانت جواز مرور له الي كل القلوب، اصدقاء وغرباء، زملاء عمل ورفقاء دراسه وجيران الحي، كان مرتبطا بكل الناس بمختلف فئاتهم المجمتعية والعمرية فهو رياضيا بين الرياضيين ، وفنانا بين اهل الفن بذائقته وحسه المرهف ، و إعلاميا بين الاعلاميين بارائه رؤيته ومعرفته باسرار الانتاج الاعلامي، تجده يتقدم الصفوف في كل المناسبات ،واصلا لكل معارفه حاضرا في كل مناسباتهم فهو عند الواجب سباق لا تعجزه المسافات ولا تلين درجات صلة القربي مهما ضعفت عن عزيمته في اداء الواجب، وكثيرا ما كان يهاتفني ليلفت عنايتي الي مناسبة اجتماعية معينة او يبلغني بضرورة اداء واجب عزاء او معاودة مريض…توطدت علاقتي بالمرحوم في نهاية العام ٢٠٠٩ عندما جاءني بعد ان أنجز رسالة الماجستير في مجال ادارة الاعمال باحثا عن وظيفة وكانت محطته الأولي العمل بالمكتب التجاري بالهيئة القومية للتلفزيون حيث كان الذراع الأيمن لمديرة المكتب وقتها الأستاذة سمية سيد والتي كانت دائما ما تشيد بادائه واخلاصه في العمل. ثم بعد ان غادرت التلفزيون تم تكليفي للعمل مستشارا ثقافيا بسفارة السودان بليبيا ومديرا للمركز الثقافي السوداني بطرابلس وتم التصديق بوظيفتين مساعدتين للمستشار فسارعت دون تردد لاختيار المرحوم محي الدين ابوالزاكي لإعانتي علي انجاز العمل الذي تم تكليفي به ولم يخيب ظني في تلك الفترة فقد كان شخصا يعتمد عليه في كل شيء لما له من قدرات وامكانيات ادارية وسرعة بديهة وقدرة علي تحمل الصعاب والعمل في اقسي الظروف، فقد كانت طرابلس التي وصلناها في أواخر العام ٢٠١١ عبارة عن برميل بارود قابل للإنفجار في اي وقت لأن الفترة التي اعقبت حكم القذافي كانت ومازالت فترة تتميز بعدم الاستقرار وضعف سلطة الدولة، فالمليشيات المسلحة كانت تتقاسم ادارة العاصمة مع الحكومة، والمدينة كانت اوصالها مقطعة وتشهد إنعداما تاما للأمن، تتكرر فيها حوادث النهب والسلب والاغتيالات في وضح النهار، رغم تلك الظروف كان المرحوم محي الدين حاضرا ومبادرا لكثير من المناشط الاجتماعية مع ابناء الجالية السودانية بطرابلس حيث جعل من المركز الثقافي السوداني بطرابلس ملتقي لأبناء السودان ومتكأ يتنادون فيه لتنسيق شؤونهم وادارة التحديات التي كانت تواجهم في تلك الفترة، واذكر هنا اننا عندما نلتقي اثناء ساعات العمل كتيرا ما يستأذن لوضع هاتفه في حالة الصمت لأنه كان لا يتوقف من الإتصالات، فكان لافتا انه في فترة وجيزة استطاع ان يكون مرجعا لحلحلة مشاكل ابناء الجالية الذين يلجأون اليه في كل صغيرة وكبيرة.وعندما تم استدعائي للعودة الي الخرطوم وتكليفي وكيلا لوزارة الاعلام في اول العام ٢٠١٤ خيرته ان يواصل العمل في المركز او العودة الي السودان، ورغم فارق الامتيازات الشخصية إلا انه إختار العودة الي السودان وإلتحق للعمل بوزارة الإعلام متنقلا بين مكتب العلاقات العامه وشركة الأقمار التابعه للوزارة ثم مركز الإنتاج الإعلامي الذي ظل فيه حتي وآفاه الأجل المحتوم، فرغم التقلبات السياسية التي شهدها السودان في السنوات الأخيرة وحالة عدم الاستقرار إلا ان المرحوم محي الدين ظل كما هو إبنا من أبناء السودان مهنيا ومخلصا لعمله وفيا لالتزاماته المهنية لم يتأثر بكل هذه التقلبات بل زاد الإعتماد عليه من رؤسائه لأنه كان مثالا نادرا للشاب الملتزم، يعطي ولا يأخذ الا بحق، يتقدم ولا يتأخر الا عند المغانم، يصالح ولا يعادي إلا في الحق، فطوال الفترة التي ترافقنا فيها في مجال العمل التي امتدت لاكثر من عشرة أعوام لم اصادفه يوما واحدا عابس الوجه بل تجده في كل الأحوال والظروف هاشا باشا لا تفارقه الابتسامه، كما اشهد الله انه طوال الفترة التي عملنا فيها سويا لم يشتكي لي حاله ولا أعرف عن ظروفه واحواله الشخصية إلا من الآخرين، واشهد الله انه طوال الفترة التي عملنا فيها سويا لم يتعرض أمامي لسيرة اي إنسان من زملائه واقرانه الا بالخير،واشهد الله انه طوال الأعوام التي ترافقنا فيها كان مهموما بعمله واسرته الصغيرة والكبيرة ولا يعير هذه الدنيا أي اهتمام ولم يكن مشغولا بالناس ،واشهد الله انه كان بارا بوالدته رحمها الله ولم يدخر جهدا ولاطاقة ولاعرقا إلا وقد بذله من أجلها إلي ان سبقته إلي دار الخلود ،وإني اشهد الله العظيم ان أخي الحبيب محي الدين ابوالزاكي كان يشيع الحب بين جميع الذين من حوله علي نطاق محيطه الاسري ومحيط العمل والاصدقاء والمعارف ،واشهد الله ان اخي محي الدين قضي كل حياته مشغولا بهموم الآخرين متفانيا في خدمتهم دون من ولا اذي ساترا لعورات الناس متجاهلا لحظوظ النفس منتصرا لقيم الخير والحق مدخرا وقته للتحصيل والمعرفة والعمل، كأنه كان يعلم ان رحلته قصيرة في هذه الدنيا الفنية وانه ليس لديه متسعا لصغائر الأمور والشجون المجهرية، فقد ظل يحرث ويكد ويجتهد طوال حياته ليجمع ما استطاع من نفائس الأعمال ويكتب عن نفسه في صحائف التاريخ والزمان أنه كان هنا يوما ما وما أضاع دقيقة ولا أهدر وقتا في الذي لا ينفع بل استطاع ان يحصد في هذا الوقت الوجيز من عمره في الدنيا حب الناس ورضاء الله ورضاء الوالدين… سلام لك أخي وحبيبي وابني وصديقي ورفيق دربي وانت في عليائك مع الصالحين..سلام لك أخي وابني وصديقي وانت في عليائك وقد طهرك المرض من كل سوء وعدت إلي ربك طاهرا عفيفا نظيفا خفيف الخطايا ثقيل بالعمل الصالح ..سلام لك اخي الحبيب وانت في عليائك حيث أحسب انك من اصحاب اليمين ان شاء الله.. سلام لك أخي الحبيب في الاولين وسلام لك أخي الحبيب في الآخرين والحمد لله رب العالمين.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى