أعمدة

(تأملات ) ..جمال عنقرة .. حوار علي كرتي.. سقوط ما لا يسقط

لم ينل حديث حظا من الإهتمام والتداول مثل حديث الأخ علي أحمد كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية لقناة طيبة الفضائية الذي أجراه معه الأخ الطاهر حسن التوم، ولم يهمن كثيرا في ذلك قول خصوم الحركة الإسلامية، وأقوال وأحكام الذين يعادونها، ولكنني وقفت مليا عند ما قال به منسوبو الحركة، سواء الذين يناصرون الأخ كرتي، أو الذين يناصبونه العداء، فاكثرهم من هؤلاء واولئك تركوا المهم والأهم، وانصرفوا عن المتون بالحواشي، ولعل السبب في ذلك علة قديمة قام عليها فقه كثيرين من الإسلاميين، وصارت مواقف كثيرين منهم تتحدد علي أساسها، ولقد أشرت إلى ذلك في أوقات سابقة جدا، فكثيرون من الإسلاميين اعلوا من شأن مقولة للخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفاف، ووضعها بعضهم في مواضع الأحاديث الصحاح، ولعلهم يظنونها حديثا لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وهي قوله رضي الله عنه “ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” وهي مقولة للخليفة الراشد في زمن الفتنة السلطانية، إلا أن كثيرين من الإسلاميين جعلوها مرجعا فقهيا، فاختل موقف السلطان والحكم والسياسة في فقه الحركة، ولعل هذا كان واحدا من الأسباب، وقد يكون السبب الرئيس في كثير من الفتن والازمات التي دخلت فيها الحركة الإسلامية في فترات حكمها وسلطانها، لا سيما في عهد الإنقاذ الذي كان فيه سلطان الحركة الإسلامية شبه مطلقا.
ولابد قبل الدخول في التعليق علي تناول الإسلاميين لحديث علي كرتي، أن أشير إلى أن الحركة الإسلامية التي يتولي أمانتها العامة الأخ علي كرتي بالتكليف، ليست هي الحركة الإسلامية الشاملة بمعناها الاصطلاحي المعروف، فتلك تشتت شملها بعد الإنقاذ، التشتت الأول حدث عندما جمع امينها العام وعرابها الراحل الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي شيوخ الحركة بعد الإنقاذ بزمن قليل، واهدي كل واحد منهم مصحفا، ومصلاة، وشكرهم علي سعيهم، ومنذ ذلك اليوم صارت الحركة تدار بشلليات منتقاة ستينية كانت أو اربعينية أو غيرها، وفارقت الحركة الشوري “فراق الطريفي لي جمله” ثم اكتمل التشتت بعد مفاصلة رمضان العام ١٩٩٩م، المشهورة، والحركة الإسلامية التي ورث أمانتها علي كرتي، هي تلك التي نشأت في أحضان المجموعة التي والت الرئيس البشير بعد المفاصلة، واختارت السلطة علي التنظيم، ولقد عمدوا علي تأسيس ما اسموه الحركة الإسلامية ليسدوا بها نقص ذهاب أغلب الشيوخ المؤسسين مع الشيخ الترابي إلى المؤتمر الشعبي، ورغم أن هذه الحركة بهذه الخلفية التكوينية لا تمثل كل الحركة الإسلامية، لكن لا أحد يستطيع أن ينفي عنها هذه الصفة، ولا يستطيع الذين ذهبوا إلى الشعبي الزعم بأنهم يمثلون الحركة الإسلامية وحدهم دون غيرهم. أما الآن وبعد أن زال السلطان الذي صنعوه معا، واضاعوه معا كذلك، فلقد تغير الحال تماما، ولعل ذلك أهم ما ظهر في حديث علي كرتي، وغفل عنه كثيرون.
أهم ما غفله الناس في سيرة علي كرتي، لا سيما الذين يناصرونه، بإستثناء إشارة طفيفة وخفيفة وردت في ما كتبه الأخ حسين خوجلي، أن علي كرتي كان من مهاجري الحركة الإسلامية الأول استجابة لنداء الجهاد لله والوطن، وعلي كرتي كان من أبطال الحركة الإسلامية الذين انتظموا في صفوف مجاهدي الجبهة الوطنية الذين اقتحموا العاصمة الخرطوم فجر يوم الجمعة الثاني من شهر يوليو عام ١٩٧٦م، بقيادة الشهيد العميد محمد نور سعد، وفي رفقة إخوانه الشهداء حسن سليمان، وعبد الإله خوجلي، وعبد الله ميرغني، ومحمود شريف، والابطال الشيخ إبراهيم السنوسي وغازي صلاح الدين، وعلي خضر، وغيرهم من اصلب العناصر لاصعب المواقف، ولقد كانت دماؤهم سببا في أن يجنح الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري، الذي سالت دمعته عندما شاهد شهداء دار الهاتف، وقال مقولته المشهودة “لقد وجدنا الذين قتلوا في دار الهاتف هم فلذات اكبادنا طلاب جامعة الخرطوم” فكانت المصالحة الوطنية التي تمددت في عهدها الحركة الإسلامية كما لم تتمدد قبلها ولا بعدها، وحققت فيها مكاسب لم تحققها في عهد حكمها المطلق الذي امتد لثلاثين عاما، وتحقق فيها أكبر إنجاز لحركة الإسلام في السودان، تطبيق الشريعة الإسلامية.
وما اسقطوه سهوا أو عمدا في حديث علي كرتي، أو اشاروا إليه بغير مقصده، وهو أن الإنقاذ كانت ايلة للسقوط قبل خروج مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م، ولقد أشار في ذلك إلى اختلال منهج الحركة قبل ذاك الزمان، وأشار إلى نصح كثير لم يستبنه كثيرون منهم، ولا حتى ضحي الغد، ولم يقف أكثر المتحدثين والكاتبين تعليقا أو تعقيبا علي حديث علي كرتي، لم يقفوا متأملين بوعي لحديثه الإيجابي عن كثيرين كانوا يظنون أنه سوف يهاجمهم، ولم يقفوا عند اشادته القوية بالشيخ الدكتور حسن الترابي، وهو قد وقف ضده عند المفاصلة، ولم يقفوا أيضا بوعي عند نفيه المؤامرة عن ما جري في الحادي عشر من شهر أبريل ٢٠١٩م، ولعله قد أراد بكل ذلك أن يمهد الطريق، إلى درب لن يتم الخلاص، بسواه، ولعله ذات الدرب الذي كان قد فتح بابه عراب الحركة الراحل الشيخ الترابي بمشروع المنظومة الخالفة، وتلك فرصة لأفي في المقال القادم بإذن الله تعالي بما وعدت به من حديث حول مشروع الجبهة الوطنية الحلم الذي مات دونه الشريف زين العابدين الهندي، والمنظومة الخالفة التي لاقي الشيخ الترابي ربه، وهو يحمل أحلامها العراض.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى