مقالات

صلاح الكامل يكتب: الحاكمية الإسلامية عند العليين، كرتي والخامنئي !!

● عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران في صيف ١٩٧٩م كانت الحركة الإسلامية السودانية في عامها الثاني مصالحة مع نظام جعفر نميري وكانت الأخيرة عيال علي الإولي في كثير من ادبياتها والغالب من حراكها ولمعرفة تفصيل ذلك نوصي بالرجوع إلي كتاب د.حسن مكي محمداحمد (حركة البعث الحضاري في ايران) وقد سطره كاتبه ايام الإعجاب الطاغي بثورة إيران وبقائدها الامام الخميني، وإنبعاث الهتاف الداوي من نشاط جامعة الخرطوم (إيران إيران في كل مكان) و(حج) الإسلاميون السودانيون الي إيران زرافات ووحدانا وعندما انفصل حلفهم مع نميري دخلوا الساحه بعد ثورة أبريل ١٩٨٥م بصوت عالي وإيقاع منتظم وإنفتاح جبهوي جماهيري عبر الجبهة الاسلامية القومية التي حصدت ما يزيد علي الخمسين مقعدا في إنتخابات ١٩٨٦م وشكلت معارضة شرسة وحازت قدرة كبيرة علي المسير في عرصات السياسة في قبالة حزبي الأغلبية الامة والإتحادي ومجموعة الحركات الجنوبية والاحزاب الصغيرة ودفعها الموج الديمقراطي لإحلال مكان الإتحادي الذي ذهب معارضا بيد انه سرعان ما عاد إلي كابينة الحكومة وعادت الجبهة الاسلامية ل(ترس) المعارضة ومن هناك الي ما اصطلح عليه ب(ثورة) الانقاذ التي مثلت ذروة حصيلة إسلاميي السودان ونهاية كسبهم في السلطة وبجانب آخر مثلت اكثر فترة حكم في السودان مثيرة للجدل وبالغة التأثير وغاية في التعقيد .. في الضفة الآخري فعلت التجربة الثورية الايرانية مرحلة تصدير الثورة، بيد انها قد كبحت بجماح الحرب مع جارتها العراق التي يصطلحون-اي الإيرانيون- عليها ب(الحرب المفروضة) وخرجت إيران منها منهكة لكنها ليست منهزمة ويستمر التصدير بإيقاع خافت فيلد حزب الله اللبناني وحزب الدعوة الإفغاني ورصيفه (حزب الدعوة العراقي والذي دفع فاتورة تأييده لثورة إيران، راس احد اكبر علمائه “الشهيد” محمدباقر الصدر) وفي إيران ذاتها فعلت المعارضة العلمانية الشرسة والتي يقودها تنظيم مجاهدي خلق فعلت الإفاعيل تقتيلا في قيادات الصف الاول من حواريي الخميني (قتل في الشارع القائد مرتضي المطهري و فجر الحزب الجمهوي الاسلامي الذي اسسه إتباع الامام الخميني اول نجاح الثورة ليقتل اثنان وسبعين يتصدرهم رئيس الحزب د.محمدحسين البهشتي وقتل تفجيرا في منبر الجمعه عبدالحسين دستغيب واصيب السيد خامنئي في تفجير منبر جمعه آخر، لتصل آلة القتل الي رئيس الجمهورية محمدعلي رجائي ورئيس وزرائه جواد بهنر في تفجير بمكتب رئيس الوزراء).

● أعتمدت الثورة الايرانية المذهب الشيعي عقيدة ثورية ونظرية ولاية الفقية دستورا تشريعيا وقد فاز النظام الجمهوري الإسلامي في استفتاء شعبي وإعمل ب(سستم) عالي مذ وجود مرشد الثورة الخميني الي عهد المرشد الثاني آية الله العظمي علي الحسيني الخامنئي والذي اعتمد تصدير الثورة عمليا رغم عن التضييق الغربي والامريكي علي بلاده فتمدد الخط الثوري بنسخته الثورية الإيرانية فغطي سوريا وتحرك في الساحة السياسية العراقية بشكل قوي لم يضعفه غياب القائد الثوري قاسم سليماني وتصدرت الثورة إضافة إلي لبنان المشهد اليمني فكان انصار الله الحوثيين وقائدهم عبدالملك بدرالدين الحوثي وتشكل هلالا يضم رقعة واسعة تعتمل الخط الايراني (طهران، دمشق، بيروت، بغداد وصنعاء) إضافة لتأثير كبير وتأئيد واسع حازته إيران وثورتها في دول كروسيا ومجموعة دول الاتحاد السوفيتي السابق، وافغانستان وباكستان وكوريا واليابان والهند والصين وفتحت إيران الثورة منافذا مع الغلبة الملية علي شاكلة حوار الحضارات وملتقيات الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في حين أعتمدت الحركة الاسلامية السودانية خط المواجهة الثوري خصوصا ضد امريكا والغرب وارست ادبيات جهادية بخطاب اسلامي جهادي، فتولد عنه الدفاع الشعبي وارساء ادبيات الجهاد والاستشهاد فكتبت عن ذلك كتبا تصدرتها كتابات ربان الحركة د.حسن عبدالله الترابي ود. أمين حسن عمر ود.احمد علي الامام وغيرهم وتسيد الساحة الإعلامية برنامج (ساحات الفداء) المستنسخ من إعلام حزب الله اللبناني وفضائية المنار، وسادت هتافات علي شاكلة: (نحن للدين فداء.. فليعُد للدين مجده.. أو ترق منَّا دماء.. أو ترق منهم دماء.. أو ترق كل الدماء) وزادت حدة العداء لامريكا إلي ان بلغت مبلغ:(امريكا روسيا قد دنا عذابها)!!، إضافة للتأثير الإقليمي الواسع الذي شمل تأثر دول وانظمتها بالحالة (الانقاذية) كتشاد وافريقيا الاوسطي ويوغندا واثيوبيا واريتريا والصومال وتصالحت مع نظام الانقاذ المجموعة الاقليمية التي تشمل مصر والعربية السعودية ودول الخليج .. يجدر الاشارة الي ان النموذج الإيراني قد اعتمد خط التغيير الإنقلابي الكامل تمشيا مع (انقلابي آسلامي در إيران) وترجمتها باللغة العربية (الثورة الإسلامية في إيران) وغير خفي دلالة الكلمة الفارسية (آنقلابي)، فان النموذج السوداني سار من الدعوة الي حاكمية الشريعة الإسلامية وانتهي بتبشير بنظرية (المنظومة الخالفة) وبينهما شد وجذب.

● رفعت الثورة الايرانية مذ ايامها الباكرة شعار نصرة القضية الفلسطينة القدسية وتوصيفيها بالقضية المركزية ومعادة أسرائيل بإعتبارها (غدة سرطانية يجب إزالتها من الوجود) – علي راي الامام الخميني واسست لها فيلقا في الحرس الثوري مسمي فيلق القدس واستعرت الحرب الباردة بين إيران من جهة وامريكا واسرائيل من آخري علي وقع الهتاف الثوري الايراني ((مرگ بر آمریکا، مرگ بر اسرائیل) بمعني الموت لامريكا الموت لاسرائيل ويصل العداء الثوري الايراني لامريكا ذروته في وصفها بالشيطان الاكبر (امريكا شيطان بزرگ آست)
وكان الخميني قد افتي واعتمد الجمعه الآخيرة من كل رمضان يوم عالميا لنصرة فلسطين (يوم القدس العالمي) وقريبا من هذي الوضعية سارت ركائب الحركة الإسلامية السودانية رافعة شعار نصرة القضية الفلسطينية ونظمت جموعا ودبجت منابرا لذلك معتمدة وداعمة لحركات التحرر الفلسطيني ولم تغيير الانقاذ هذا الخط ولم تطبع ولم تفتح خطا واضحا مع إسرائيل الي ان حلت عليها ثورة ديسمبر وذهبت بها .. كما قدمت الثورة الايرانية ارواح ارتال من منتسبيها وانصارها في حربها ضد العراق، قدمت الانقاذ في حربها في الشرق ضد احزاب المعارضة وفي جنوب السودان ضد الحركة الشعبية وفي دارفور ضد حركات الكفاح المسلح.

● تمظهرت الثورة الإيرانية وتبعا لها مرشدها الخامنئي بثوب إسلامي يعتمد ولاية الفقية ويستصحب ادبيات الفكر السياسي الشيعي الذي تشده شوري سياسية بمنحي إسلامي يتقبل بداخله المدارس السياسية المختلفة طالما اعتمدت الخط الإسلامي وفق ولاية الفقيه والتي نشرت في كتيب (الحكومة الاسلامية لمؤلفه روح الله الموسوي الخميني)، إضافة لكتابات د. علي شريعتي و”الشهيد” مرتضي المطهري وتقبل النظام في داخله جناحي المعادلة (المحافظون والاصلاحيون) بمباركة تامة في حضرت الخميني.. يجأر الخامنئي بعالمية طرح نظامه وان صوت القومية الايرانية والعنصرية الفارسية (رفعها امثال د.سروش وكافحها مطهري في كتابه: الاسلام وإيران) قد خفتت لصالح منفستو الثورة الذي يعتمد الخط السياسي الإسلامي( خط الامام) وتبنت إيران خط المدافعة عن القدس وسوريا والعراق واليمن والتواصل اللصيق مع لبنان ودول آسيا وبعض الدول الأفريقية..وبهذا الخط يسير الخامنئي ببلاده آملا ان تضحي القوة النووية الاسلامية الثانية بعد باكستان ولان اسرائيل تشابه إيران بلحاظ مشترك (دينية) الدولة فان العداء الإيراني لإسرائيل وراعيتها امريكا يأخذ بعدا إستراتيجيا وحتميا وفصلا عقديا وتعبديا..في حين يستمر خط الحركة الاسلامية السودانية في عهد أمينها العام المكلف أ. علي أحمد كرتي في تثبيت مبانيها القديمة وشعارتها السابقة متماهية مع تطورات المتغيرات الكبري والمياه الوفيرة التي مرت من تحت جسرها، فيضع الاستاذ كرتي علائم مسير حركته في مقابلته المبثوثة من فضائية طيبه في آواخر مايو المنصرم، ويجملها في الصدوح بإستمرار الحركة الاسلامية السودانية في خطها المساند للجيش والمراهن عليه والمتحصن به في حين ترتكز امانة كرتي في ذاكرتها ان الثورة مصنوعة- المقصد ثورة ديسمبر- وان ثمارها مختطفة ويرفع علي كرتي متناغما مع رصيفه د. غندور نظرية (المعارضة المساندة) بغية تقليل أثار الهجمة علي كل ماهو اسلامسياسي ومحاولة تدوير زوايا الحالة السودانية الرافضة لإعادة تجربة الحركة الإسلامية رغم عن الإقرار الضمني بأنها قدمت للبلاد والعباد الكثير وبعين شاخصة يلح خصومها علي إيضاح مساويء حالة التمكين والكبت والفساد التي وصم بها نظام الإنقاذ بحسبان انها ادت للعوار السياسي والتأزم الاقتصادي مما انعكس سلبا علي تخت الحالة السودانية، الإجتماعية، الثقافية والإخلاقية.

● عندما نعرض بنحو إجمالي كسب وسلب، نجاح وإخفاق تجربة الإسلام السياسي بنموذجيها السوداني والإيراني والتي جاءت وسطية في حالتيها بلحاظ الظهور اللاحق للحركات الطالبانية والتكفيرية والداعشية المتشددة..لو سمحت لنا إمكانيات العودة للموضوع سنحاول الاجابة علي بعض السؤالات علي شاكلة:
لماذا بقي المشروع الإيراني فاعلا وخفت السوداني؟!
ماهي محطات كسب التجربتين؟!
وماهي عوامل الثراء والبقاء والإضمحلال والتلإشي في الحالتين؟! ..
قبل ان نبرح هذا المكان يجدر ان ننقل (القاريء العزيز) الي نماذج لخطابات وكلمات العليين، فتجد السيد علي خامنئي في توصيف حالته مع امريكا (ولقد قبلنا التفاوض مع الولايات المتحدة حول المسألة النووية لأسباب محددة، ومفاوضونا أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية، ولم نعط إذنا للتفاوض عن مواضيع أخرى ولن نقوم بذلك”ويتابع “الشعب الإيراني طرد هذا الشيطان، ولا ينبغي أن نسمح بعد طرده من الباب أن يعود من النافذة ويتغلغل من جديد” ..وفي سياق متصل يؤكد خامنئي : رغم ألوان الحظر على مدى اربعين عاما فان الشعب الايراني تمكن اليوم عبر صموده وايمانه وجهاده، من تحقيق إنجازات مهمة في مجال الاسلحة الدفاعية الوطنية) في حين تقرأ حديث الاستاذ علي كرتي هنا (لن نقبل ان يفرض علينا وضعا من الخارج والذي يقوده الاجانب ليست حوارا وطنيا..لا نريد إعادة إنتاج الانقاذ وبدانا اصطفافا إسلاميا واسعا وهو لم يكن متاحا قبل ذلك..نحن حركة منفتحة لها ما تقدمه لكل آوان مع تجديد الوسائل والخيارات) .. نقر بان هذا العرض لا يخدش في التجربة الإسلامية الام التي سادت مذ العهد النبوي الي الخلافة الراشدة، مرورا بما حدث في سقيفة بني ساعدة ومسير الخط السياسي وقتها والذي لا يخلو من شد وجذب لم يسمح حتي بتكرير آلية السقيفة ذاتها وتندرج في هذا التوصيف كل محاولات أسلمة الحكم وتطبيق حاكمية إسلامية تقترب او تبتعد من المثال وتبقي جهدا بشريا – يعتمل الفكر ويبذل الجهد ويقبل التقييم والتقويم- لمحاكاة ومقاربة النص الشرعي الإسلامي.

منقول من صحيفة الانتباهة الصادرة اليوم الخميس٢٠٢٢/٦/٢م صفحة٦

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى