مقالات

فاطمة لقاوة تكتب (الُثُوَرَةِ الُسِوَدِانَيَةِ وَصّرَاْعاتْ الُنٌَخبّ)

صدق من قال:”أنَ الُشِوَارَْع لُا تٌْخوَنَ” .

الشعب السوداني في تاريخه النضالي الطويل أثبت أصالته وتمسكه بقيمه وإيمانه بالمبادئ التي يتبناه.
منذ اندلاع الثورة المهدية ضد الظُلم في فترة الحُكم التركي المصري؛ وحركات المقاومة السودانية ضد الحُكم الإنجليزي المصري؛ إلى قيام الإنتفاضات الشعبية التي أسقطت الحُكم العسكري في فتراته المتعاقبة و التي أصبحت شبيهة بلُعبة القِط والفأر بين الديمقراطية الناقصة والانقلابات العسكرية،إلى إن جاءت ثورة ديسمبر المجيدة، التي أسقطت أسوأ نظام دكتاتوري فاسدومفسد شهده السودان.
ثورة ديسمبر المجيدة أثبتت حقيقية الشارع السوداني وشبابه الذين أظهروا للعالم أجمع قوة المطالب السلمية وصمودها ووقفوا شبابها أمام آلآت القتل والقمع بصبرٍ وبسالةِ ؛و بينت الثورة قوة المد الشعبي الذي أذهل الكُل وسبق توقعاتهم .
ولكن الحقائق التاريخية رغم مرارتها يجب الوقوف عندها ودراستها ومعرفة ابعاد الُمٌشِكِلُ الاساسي في الساحة السياسية السودانية والظاهر للعيان :(صّرَاْع الُنٌَخبّ الُسِوَدِانَيَةِ) ؛الذي ظل قشة تقصم ظهر جميع الثورات السودانية وتعجل بنهايتها.
ولنبدأ بالثورة المهدية التي يتدارسها العالم اجمع، ظهرت صراعات النُخب في داخلها ـالصراع بين الخليفة عبدالله التعايشي والخليفة محمد شريف حامد، والذي قاد بدوره لظهور الصراع المناطقي بين نخب النيل ونخب غرب السودان ،وما زالت جذوره ممتدة الى يومنا هذاـ واصبح عائق دون تحقيق الاهداف والأسس التي وضعتها الثورة المهدية؛ وساهم في ضعفها الذي أغرى المستعمر ليعود الكرة مرة آخرى.
وعندما اندلعت حركات المقاومة ضد المستعمر الانجليزي المصري وتبلورة فكرة النضال السلمي الذي دفع المستعمر للجلاء من السودان؛ ظهرت الصرعات الحزبية بين النُخب واختار كل حزب حاضنته الإقليمية أو الدولية-(حزب الأمة كانت حاضنته بريطانيا ،و شعاره”السودان للسودانيين”،بينما الحزب الإتحادي إختار أحضان مصر وكان شعارهم “وحدة وادي النيل”)- واندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان قُبيل الإستقلال ، وجاءت فرحة الاستقلال ناقصةً ،ولم تصمد الحكومة المدنية التي ورثت حُكم السودان طويلاُ؛ وسرعان ما إنقضى عليها العسكر؛ فأصبحت اللُعبة بين العسكر والديمقراطية مستمرة؛ وظهرت أبعاد أُخرى للصراعات ،طُرحت فيها قضايا الهامش والمركز، ودخل فيها الصراع النُخبوي وصارت جميع النخب تحت رحمة حواضنهم الخارجية التي ما فتئت تُملي عليهم شروطها فأصبحوا لا يملكون إرادة حقيقية تمكنهم من اختيار مواقفهم وفق المُعطيات في الساحة والراهن السياسي.
اندلعت الحروبات في كافة أطراف السودان بسبب غياب الرؤى الوطنيةالموحدة،والمشروع الوطني الذي يلتف حوله المجتمع السوداني،والإستقطاب الحاد ! وظهر صراع النُخب بصورة واضحة وفاضحة ودخل فيه البُعد القبلي والتمييز، فأصبح المشهد السوداني مضطرب وشائك.
وعندما تَوج الشعب السوداني ثورة ديسمبر المجيدة،وكانت بوابة القيادة صورة زاهية جسدت الملحمة الشعبية التي تجاوزت كافة الخلافات والصراعات العبثية المصنوعة ! غدرت النُخب بشباب الثورة وقتلتهم بدم بارد في مشهد لا ينتمي للإنسانية، وطمسوا الحقائق ؛ وإستغلوها لتصفية الحسابات الشخصيةفيما بينهم! في صراعاتهم السياسية محاولين تجاوز إرادة الشعب وخلق واقع جديد .
تفاجأ الجميع عندما هبًّ الشعب السوداني في يوم ٣٠/يونيو/٢٠١٩ ووضع النقاط على الحروف وجعل الكُل ينصاع لصوت الشارع،فجاءات الشراكة بين العسكر والمدنيين ،وأصبحت الحكومة الانتقالية حكومة ثورة تآتمر بإمرة الشعب لا سواه ؛وإن كانت متعثرة لأسباب بعضها موضوعي والبعض الآخر إخفاق باين المعالم ،كان لا بد من معالجته قبل إستفحاله،ولكن هيهات !!لم يكن شُركاء الإنتقال على كامل الإستعداد لتجاوز الأطماع الحزبية والشخصية الضيقة من أجل إدارة الإنتقال بطريقة تقود السودان نحو أفق جديد وتضعه بين رحاب الديمقراطية المنشودة.

عاش السودان داخل نفق الانقسامات النخبوية منذ فترة بعيدة،ونجد جميع الاحزاب قد تشظت والحركات آنشقت واعضاء الحكومة الانتقالية بشقيها متشاكسين وصراعاتهم المبطنة رائحتها قد فاحت ،خلال الفترات القليلة التي تشاركوا فيها السلطة.
وفي ٣٠/يونيو/٢٠٢٠ جاء المد الثوري للشارع السوداني متخطي كل الحواجز والمخاطر -صحية بسبب جائحة كرونا وسياسية صراعات النخب ـ ليقول للجميع: نحن سنصنع تاريخنا ولن نفرط في مكتسباتنا الثورية أبدا.
خروج الثوار في ٣٠يونيو/٢٠٢٠، وضع كل النُخب السودانية امام تحدي كبير ومسئؤولية عظيمة وكان الآحرى بحكومة حمدوك ومجلسي السيادية والوزراء أن يتحملوا آمانة الثوار ويسعوا إلى معالجة كل السلبيات الماضية، وكان لازماً على الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية تحقيق السلام المستدام في أقرب فترة زمنية؛ و الجميع يجب أن ينتبه إلى وعي الشارع المتزايد وطموحات الشباب ومصداقية الشعب السوداني ؛وكان لا بد من خلق جسور تعبر بالجميع فوق مرارات الماضي ليصلوا لواقع سوداني جديد مُعافى يسع الجميع دون تمييز.
ولكن سُرعان ما عاد الجميع في حكومة الفترة الإنتقالية إلى الصراعات والمناكفات وتصعيد خطاب الكراهية بينهما !!وعادات أزمة المشاكسات بصورة كادت أن تقسم ظهر مكتسبات الثورة ،وحمدوك لم يكن رُبان سفينة محترف يجيد الخروج منإضطراب أمواج وظُلمة المناكفات -(إذا إستطاع حمدوك في ذاك الوقت التخلص من حكومته الحزبية الضعيفة وأعلن تشكيل حكومة كفاءات لقطع الطريق أمام البرهان والعسكر ،ولحفظ أرواح شباب السودان التي راحت بسبب التعبئة الخاطئة الآن من قِبل الذين يتاجرون بدماء الشباب لأجل الوصول الى كراسي السلطة) – بين شركاء الإنتقال ،وتفاجأ الشعب السوداني!! والبرهان قد أُعلن عن خطوات تصحيحية ،لم ترضى عنها قوى الحرية والتغيير والأحزاب التي تسلقت ظهر الثورة وأطاحت بها! إجراءات البرهان من كراسي السلطة ،فلجأت تلك الأحزاب إلى حشد الشباب الذين يتم إصطيادهم بعناية من جِهات غير معلومة،بهدف إثارة مشاعر الشعب السوداني !!وإنقسم الشارع السوداني بين مؤيد للإجراءات التي إتخذها البرهان وبين رافض لها،وجاءات ذكرى ٣٠يونيو/٢٠٢٢،تحمل طابع الإنقسام والتشظي -(بيان الحزب الشيوعي)- وإختلاف الشعارات المرفوعة وتحولها الى:(العسكر للسكنات – والأحزاب للإنتخابات – والحكومة للكفاءات)،مما يؤكد أن قوى الحُرية والتغيير لم تعد تمتلك تحريك الشارع السوداني كالسابق .
#الرحمة والمغفرة للشهداء – #ضحايا التعبئة الخاطئة .
#أثق في الثورة والثوار ولكنني غير مطمئنة من جانب النُخب.
#ثوراتنا دوما يفسدها الساسة و النخب .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى