أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب في (*بعد .. و .. مسافة) .. في ذكرى خليل إبراهيم …

بالأمس تلقّيت وعدد من الزملاء ، دعوة كريمة من حركة العدل والمساواة السودانية ، قدمها لنا أمين التنظيم والإدارة في الحركة ، محجوب الجزولي عزالعرب ، وذلك بقاعة الصداقة بالخرطو،م ، في اليوم التاسع والعشرين من هذا الشهر ، وذلك إحياء لذكرى شهداء الثورة السّودانيّة ، ومرور أحد عشرة شهر لإستشهاد مؤسس الحركة الدكتور خليل إبراهيم محمد ، والذي صحب إستشهاده لغط كثير ، ووجدت هذه المناسبة ، لأكتب بعض ما عشته وعرفته ولمسته حول هذه القضية ؛ وأذكر أنني كتبت مقالاً تحت عنوان « سرد أحداث موت معلن » تم نشره على صفحات صحيفة «آخر لحظة » التي كنت أحد الشركاء فيها ، وأرأس تحريرها في ذات الوقت ، وذلك في السادس والعشرين من ديسمبر من العام 2011 م .
المقال طويل والمعلومات كثيرة ، وهو ما يتطلب إعادة البحث والتحقيق حول هذه القضية ، من قبل كل الأطراف ،
رحم الله الدكتور خليل إبراهيم مؤسس وقائد حركة العدل والمساواة، وغفر له، فقد كان ينشد السلطة من الطريق الخطأ الذي لم يخل المواجهة المسلحة رغم ما فيها من مخاطر ، ودماء الدماء وإزهاق للأرواح ، والذي نحسب أن وفاته- في الميدان-كانت دليل بسالة وشجاعة لا يتمتع بها كثير من معارضي الأنظمة الحاكمة .
مقتل الدكتور خليل إبراهيم كان محتملاً في فترة ما، لكنه أصبح أكيداً بعد ذلك.. ففي فترة الدعم غير المحدود لحركة العدل والمساواة الذي كان يقدمه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ، توفرت للحركة ذات الغطائين السياسي والعسكري كل أسباب النمو والتمدد من خلال توفر الأرض والآليات والسلاح والمال وحرية الحركة والتنقل في مناطق الحدود، وذلك الأمر دفع بقيادة الحركة وزعيمها الراحل الدكتور خليل إبراهيم – رحمه الله – وبضغوط من القيادة الليبية إلى الدخول في مغامرة لم تُجر حساباتها بالدقة المطلوبة، إذ قامت بمحاولة لغزو أم درمان وإحتلال الإذاعة السودانية في مايو من العام 2008م، إلا أن تلك المحاولة فشلت وتم دحر قوات العدل والمساواة ومطاردة قائدها ، وأسر عدد من قادتها كان من بينهم شقيق رئيس الحركة نفسه.
محاولة الغزو تلك كانت أول جرعة تجرعتها الحركة من كأس السم الذي بدأ يشل أعضاءها عضواً عضواً ، ثم جاءت لاحقاً زيارة قام بها الرئيس السابق عمر البشير إلى ليبيا ، إبان وقوعها تحت قبضة العقيد الراحل معمر القذافي ، وكنت ضمن الوفد الصحفي الذي رافقه في تلك الرحلة ، وشهدت كيف أن البشير أخذ يعنّف مدير المخابرات الليبي عبد الله السنوسي _ وقتها _ أمام القذافي وبحضور الفريق أول المهندس صلاح عبد الله «قوش» الذي كان مديراً لجهاز الأمن والمخابرات في ذلك الوقت ، وقد جرى ذلك النقاش داخل مقر سُكنى وإقامة القذافي في باب العزيزية.
حدثت تطوّرات أخرى ولاحقة ضيّقت الخناق على حركة العدل والمساواة ، بل تحديداً على مؤسسها ورئيسها الدكتور خليل إبراهيم قبيل إنهيار نظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ، إذ كنت عضواً في الوفد الصحفي الذي رافق الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ومساعد رئيس الجمهورية وقتها ، عند زيارته إلى جمهورية مصر العربية، وشهدت وزميلي الأستاذ أحمد البلال الطيب كل الإجتماعات التي تمّت ، وقد مارس الدكتور نافع ضغوطاً عنيفة على قيادات الحزب الوطني الحاكم في مصر آنذاك وعلى الحكومة المصرية وعلى جهاز المخابرات العامة الذي كان يجلس على رأسه اللواء الراحل عمر سليمان ، حتى أسفرت تلك الضغوط عن طرد الدكتور خليل إبراهيم من مصر التي كان قد وصلها لتوّه ، وعندما أُبلغ بنبأ عدم رغبة السلطات في بقائه داخل الأراضي المصرية ، حزم رفاقه حقائبهم ليغادروا نحو تشاد التي سحبت جواز سفره التشادي منه ، ومنعته من دخول «انجمينا» لتبدأ رحلة الحصار السياسي الذي دفع به ليكون تحت رحمة العقيد الراحل معمر القذافي، إلى أن انفجرت الثورة في وجهه ونظامه ، ولم يجد الدكتور خليل بداً من الهروب من السفينة الغارقة واتجه نحو الحدود السودانية الليبية المصرية المشتركة حتى إستجمع ما تبقى له من قوة وجهد ، وقد وانقطع عنه المدد والإمداد ، وقد صحب خروجه من ليبيا لغط كثير وكبير حول أطنان من الذهب كانت بحوزته ومليارات من العملات الأجنبية ، وقد إستغلت الحركة ذلك خير إستغلال لتوهِم نظام الحكم في السودان بأن تحت يديها ما يؤهلها لخوض حرب جديدة لمائة عام قادمة.
من المصادفات الغريبة أن السلطات الليبية الجديدة وضعت يدها على الكنز الضائع بعد ذلك بوقت قصير ، بعثورها على عشرين طناً من الذهب الخالص ، إضافة إلى ثمانين مليار يورو مدفونة في الصحراء جنوب ليبيا، دفهنا أنصار العقيد القذافي ، ولم يعرف مكانها أحد .
بعد تلك الأحداث المؤسفة ، سبق لي أن زرت مدينة نيالا ضمن وفد رسمي لحضور ختام فعاليات مهرجان القرآن الكريم ، وهناك داخل منزل الوالي السّابق الدكتور عبد الحميد موسى كاشا التقيت بالأستاذ عثمان محمد يوسف كبر والي ولاية شمال دارفور آنذاك ، الذي تحدّث معي حول وجود الدكتور خليل في أطراف الولاية ، وكيف أن أجهزة الأمن ترصد تحركاته وتتابع تنقله من مكان إلى آخر ، وحدّدت المنطقة التي يقيم فيها مع قواته.. وعندما عدتُ إلى الخرطوم علمت أن الدكتور خليل إبراهيم يخطط لإعادة إنتاج محاولة غزو الخرطوم مرة أخرى ، وتشاورت مع زميلي الأستاذ عبد العظيم صالح مدير تحرير صحيفة « اخرلحظة » وطرحت عليه ما لدي من معلومات وطلبت إليه ألاّ نتسرّع بالنشر لأن ذلك سيتسبّب في زعزعة الأمن النفسي وإستقرار المواطنين .
أخذنا بعد ذلك نتابع التحركات إلى أن وصلت قوات العدل والمساواة إلى ولاية شمال كردفان ، وظلت الأخبار ترد إلينا من المواطنين هناك ومن بعض المسؤولين ، وعلمنا أن ساعة الحسم قد أتت وأن القوات المسلحة باتت قاب قوسين أو أدنى ، من تحقيق نصر نهائي على الحركة بتصفية كل قيادتها، حتى أن أخبار المعركة الأخيرة كانت لدينا لننشر في عدد اليوم التالي عنواناً عن إصابة خليل إبراهيم، وصدرت الصحيفة التي لا تنتظرها المطبعة وهي تحمل ذلك العنوان، وما كنا نعلم وقتها أن الإصابة كانت قاتلة.. رغم أن مقتل قائد الحركة والمساواة كان مؤكداً بسرد ما أشرنا إليه من وقائع حملت عنواناً زيّن غلاف إحدى روايات الكاتب الكولمبي العالمي غابرائيل غارسيا ماركيز «سرد أحداث موت معلن» الصادرة في 1981، والتي تنقل وقائع وأحداث اختلط فيها الواقع بالخيال .
رحم الله الدكتور خليل إبراهيم رحمة واسعة وعفا عنه وغفر له واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. إنا لله وإنا إليه راجعون .

Email: sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى