مقالات

احترام العقول أولا يا هذا بقلم : د.صالح أحمد البشير صالح

إن من أعظم ما وهب الله للعبد عقلاً سليماً ، وفكراً ناضجاً ، وإدراكاً ثاقباً ، وسعة في الأفق ، واستيعاب للحق ، به يرتقي أناس ، وينحط به آخرون .
ميّز به الإنسان عن بقية الحيوانات ، بتعطيله ، أو انحطاط تفكيره يفقد الإنسان إنسانيته ، وينخرط في عالم الحيوان البهيمي {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} .
به يسود الفرد ، وينال الصدارة ، ويميز الخير من الشر ، ويعمل النفع ويبتعد عن الضر ، ويؤصل أمته إلى بحر الأمان حتى ولو كان نحيل الجسم ، وذميم الخلقة ” إنما المرء بأصغريه بلسانه وعقله .
ولعظم منزلة هذا العقل كان أحد الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها ، فحفظه حسياً ومعنوياً غاية من غايات هذه الشرائع .
الاستخفاف بالعقول له صور وأشكال ظهر الكثير منها والبعض الأخر في طريقه إلى الظهور ، لأن مشوار الاستخفاف بالعقول ما زال مستمراً ، وتعدد ممتهن هذا الاستخفاف بدلاً ما كان مقتصراً على أصحاب السياسة ، وأرباب الشعارات ، والذاتيين ، فبدأنا نسمعه ونشاهده ممن يدعي الإصلاح ، والسعي الحثيث لتوعية العقول وتوسعة المدارك ،
وللتطور الهائل في هذا العصر في وسائل المعلومات ، والاتصال ؛ حتى أصبح العالم كالقرية الواحدة ، فبدأ الوعي ينتشر في أوساط المجتمع ، ويحرص الناس على معرفة الحقيقة ، وأنهم ما عاد تنطوي عليه الأمور مثل ما كانت تنطوي عليهم في السابق ، فمصادر المعرفة تيسرت ، وتعددت ، وأحبوا أن يعرفوا الأمور بأنفسهم لا أحد يملها عليهم ، وبدؤوا يستقلون بتفكيرهم وأرائهم ونتائجهم الحاضرة والمستقبلية ليتحرروا من تبعية الغير وتسير الأخر لما يريده هو لا ما يريدونهم . وأن حبال الثقة المتبادل قد انقطع ، ويَردوا قانون ” وما أريكم إلا ما أرى ” إلى مقننه ومستحسنه . وأنهم لا يريدون السياسة الفرعونية أن تمرر عليهم ؛ سياسة ” فاستخف قومه فأطاعوه ” .
ومن صور وأشكال الاستخفاف بالعقول أنه عندما نقوم بطرح الأفكار والآراء سواءً كانت فكرية أو سياسية أو تربوية ….. نطرحها وفي قرارة أنفسنا أن المجتمع ما زال مصاب بسطحية التفكير وضحالته ، وقلة الوعي ، وأنه تمشي عليه بساطة الأمور فكيف بعظامها ، وأنه يجيد سرعة الاقتناع ، ونخاطبه على أنه مجتمع ما قبل التسعينات ؛ ولهذا تأتي الطرحات والأفكار هزيلة ومتميزة بالبساطة والسذاجة والشطط ، ومما يحزن المرء أن كثيراً ممن يتصف بهذا ممن يدعي انه يحمل شهادات عالمية عالية ، ويقال أيضاً أن مثل هذا الطرح يلق رواجاً ممن يحمل مثل هذه الشهادات الكاذبة .
ومن هذه الصور أننا نجيد التهرب من فشل طروحاتنا وخيبة أفكارنا ، وسذاجة تحليلاتنا، ومن ثَم نحمل هذا الفشل الذريع إلى فهم الآخرين له ، وأن ما قلناه لا غبار له ، وإنما أتى الخلل من هذا الفهم ، ولإصراره على هذا الاستخفاف يصعب عليه الاعتراف بمجانبة الصواب مع أن ما قاله لم يخصه بأفراد ، وإنما قاله على الملأ ، ولجودة هذا الطرح حُرص على حفظه واقتنائه فلهذا لا يمكن أن يندثر أو يطوي في عالم النسيان ، فالأفكار والآراء من أصعب الأمور نسياناً وتجاهلاً .
ومن أشكال الاستخفاف والاستهتار بعقول الناس : الشعارات البراقة ، والوعود المطمئنة ، والدعايات الساحرة بدأً بالسياسة ، ومررواً بالاقتصاد وحقوق المرأة ، وانتهاءً بمحاضن التربية والتوجيه ولا أخالك ناسياً مسمار جحا هذا العصر ” الإرهاب والتطرف ” ومصطلحة الحرية والديمقراطية .
فيبدأ بمشواره رافعاً عبارات براقة مع وعود مؤكدة فتذهب الأيام والسنون فلا نراء لهذه اللافتات أثراً في الواقع ، وإنما نسمع جعجعة ولا نراء طحناً .
ولغلبت المادة على الكثير منا استغل ذلك ضعاف النفوس ، مع استغلال وسائل الدعاية الحديثة والمتنوعة ، فيبدأ بطرح مشاريعه التجارية مع وعود بأرباح باهرة مع وقت قصير تجعل المرء يقبل عليها بشراهة وبدون تروي فلا مكان له مع هذه الأرباح فالفرصة لا تعوض ، فيذهب الوقت المحدد وأضعافه ، وصاحبنا لم يستيقظ إلا وهو في وسط الفخ ، فوصل به الحال إلى أن يتمنى رأس ماله ، وعلم أن هذه الوعود ذهبت مع أدراج الرياح ، بل وصل ببعض هؤلاء النفوس أنه استغل الدين وأهله في ترويج نصبه وخداعه .
وممن الأسباب التي تجعل المرء يتمادى ويستميت بهذا الاستخفاف أن نظره مقصور على الساعة الحاضرة فهو وقتي فلا يفكر في عاقبة طرحه عند وقوف الآخرين على الحقيقة ، ولا يهمه ذلك ، ولا يستشعر حال الناس إذا فرغ صبرهم من طول انتظارهم للوعود التي دغدغت مشاعرهم ،
ومن هنا ومن غير دغدقة مشاعر سلام
مساء الأربعاء 6/10/2021

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى