تقارير

هل سقطت الوثيقة الدستورية في بئر الخلافات 2؟

بالأمس قلنا أن الوثيقة الدستورية قد سقطت في بئر الخلافات بسبب ضعف قوى الحرية والتغيير وما كان ذلك يحدث لولا تماهي القوى السياسية وانشغالها بتعظيم مكاسبها الحزبية على حساب المصلحة الوطنية.
لكن الإجابة الدامغة جاءت كفلق الصبح المبين من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حينما صرخ القيادي البارز بقوى الحرية والتغيير ساطع الحاج، متهماً المكون العسكري بخرق الوثيقة الدستورية، فماذا قال حمدوك؟
لم يتردد حمدوك بعد مضي الوقت المضروب لتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي الذي وعد به الشعب السوداني بتشكيله في شهر أغسطس فقال: في المؤتمر الصحفي “لم تتوفر الإرادة السياسية الكاملة لقيام المجلس التشريعي الانتقالي، وفي حال توفر الإرادة السياسية يمكن قيام المجلس والأمر هذا ما عاوز درس عصر” .
الأحزاب السياسية “قحت” المشاركة في الحكومة الأولي حاولت مراراً ان تلطخ المكون العسكري بانه خرق الوثيقة الدستورية ولم تعد تسمع لمن ينصحها، فكل من يحاول ان ينتقدها أو ينصحها يتم وصمه بالكوز والغيرة السياسية فأنفض الثوار منها وتركوها تموج في غياهب الجب، وباتت كالذي ينفق ماله رئاء الناس، ولا ينظر ما حوله فمثلها كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً.
ولكن دوام الحال من المحال فقد دارت عليها الدوائر بعد توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح برئاسة وفد الحكومة المفاوض الفريق أول محمد حمدان دقلو وشكلت الحكومة الثانية، لكن الحزب الشيوعي تماهى في ضلاله واعلن صراحة رفضه لاتفاقية جوبا وهدد بإسقاط حكومة الفترة الانتقالية.
وضاقت بالحاضنة السياسية ل(قحت) الأرض بما رحبت فلم يجد أحداً من يناصرها ولم يبق أحداً يحفظ لها أي ود ، ما اشبه الليلة بالبارح وانطبق فيها المثل العربي ” يداك أوكتا وفُوك نفخ “، ولمصلحة القارئ نذكره بقصة المثل العربي يداك أوكتا وفًوك نفخ .
يحكي أن رجلاً كان يريد أن يعبر النهر سباحةً، فجاء بِقِربة ماء ونفخها، وكانت القربة ضعيفة الوكاء (أي رباطها غير محكم)، فنصحوه أن ينفخها أكثر ويحكم رباطها، ولكنه تجاهلهم وعندما وصل لمنتصف النهر انفَكَّ الرباط وتسرب الهواء بسرعة، وأوشك على الغرق، فلما استغاث قالوا له: يداك أوكتا (ربطتا) وفًوك (فمك) نفخ، أي أنك أنت من جنيت على نفسك ولم تعمل بالنصيحة في وقتها.
وهنا نطرح السؤال الملح من قبل القارئ متي تتوفر الإرادة السياسية المفقودة من قوى الحرية والتغيير ؟ وهل ستواصل قيادات قوى الحرية والتغيير في اتهام المكون العسكري في خرق الوثيقة الدستورية أم تعلن انها فشلت في إدارة الفترة الانتقالية؟
يرى خبراء قانونيون ان تكوين السلطات في النظام الفيدرالي بعد توقع اتفاقية جوبا لسلام السودان يتم بموجب الدستور وليس بموجب القانون مثل النظام اللامركزي ولابد من تعديل الوثيقة الدستورية فيما يتعلق بهياكل الحكم في مسار دارفور.
لان الوضع الحالي في الإقليم لا يتحمل أكثر من سلطة واحدة بعد تنصيب مناوي حاكماً فقد ادرك رئيس وفد الحكومي المفاوض محمد حمدان من الوهلة الأولى ان السلام رأس الرمح وأي اتفاق سلام يعمل بشكل منعزل بدون قبول أصحاب المصلحة لا يكتب له النجاح وليس هناك وثيقة دستورية تعمل بشكل منعزل عن الواقع السياسي الراهن ولابد من أرضية مشتركة لتشكيل قوة المشتركة لحماية المدنيين في دارفور.
ويصف المراقبون الحزب الشيوعي الذي رفض اتفاقية السلام حاله مثل النخلة الحمقاء التي ظلت عارية كأنها وتد في الأرض أو حجر بعد عودة الربيع وقد زين الدينا بالأخضر من الورق والطيب الزكي من الثمر لكن النخلة الحمقاء مصممة على بخلها فظهرت بين أخواتها من النخيل قبيحة المنظر عارية، ولم يتحمل صاحب البستان أن يرى النخلة قبيحة المنظر لا فائدة منها فأخذ فأسه واقتلعها من جذورها وصيرها حطبا تشتعل في النار حفاظا على لوحة الحياة البهيجة من التشوهات.
وخلاصة القول أجمع فقهاء القانون بان الوثيقة الدستورية يجب ان تدخل لها تعديلات حتى تواكب مرحلة الانتقال والتحول الديمقراطي وخاصة ما ستسفر عنه مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال بقيادة عبدالعزيز الحلو حتي لا تسقط في بئر الخلافات كما قال القيادي البارز ساطع الحاج .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى