أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي (قيد في الأحوال ) .. ما بين كنس آثار مايو ، وكنس آثار الإنقاذ !

تم تشييد مباني المجلس الوطني السوداني الحالية ، في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري ، بمواصفات معمار روماني، عندما كانت تربط نميري علاقة صداقة مع الرئيس الروماني ، نيكولاي تشاوتشيسكو ، وتم إنشاء مبنى جميل يطل على مقرن النيلين ، وتم تصميم سور المجلس الوطني المكون من 5 أعمدة طويلة و25 عموداً قصيراً، تخليداً لذكرى 25 مايو 1969، وبقيام إنتفاضة 26 رجب، كانت شعاراتها كنس آثار مايو ، وكان من ضمن الكنس أن قامت حكومة الصادق المهدي، وكل الذي قدرت عليه من تغيير ، هو تغيير تلك الأعمدة ! ، فبعد أن كان بعد كل 25 عمود قصير، تقوم 5 أعمدة طويلة ، ولتأكيد كنس آثار مايو صدرت التوجيهات ، بقطع العمود الطويل الخامس ، لتصبح أربعة أعمدة طويلة ترمز لشهر “أربعة” وهو يعادل شهر رجب، وتمت إضافة العمود المقطوع للخمسة وعشرين عمود القصيرة، لتصبح ستة وعشرين عمود ، ترمز ليوم 26 شهر “أربعة”، ومازال أثر قطع ذلك العمود الطويل الخامس باقٍ! ، وممكن لأي ماشي بشارع المجلس الوطني أن يشاهد ذلك ، ويمكن لأي راكب أن يوقف عربته، وينزل ، ويشاهد بنفسه ! ، ولم تكتف حكومة الإنتفاضة بتشويه سور المجلس الوطني ، فأصدرت التوجيهات في ذلك الوقت بإزالة أي حجر أساس وضعه نميري من واجهة أي مبنى حكومي!، بل تم تغيير إسم أجمل حدائق على النيل (حدائق مايو)، لتُسمّي حدائق 6 أبريل!، وكان الإهمال وعدم السقاية والمتابعة، وماتت نجيلتها!… ولا “لمّينا في حدائق مايو.. ولا حدائق 6 أبريل” !

لكن المحمدة في انتفاضة رجب أنها هيأت لانتخابات 1986، وجاءت حكومة منتخبة، لكنها للأسف عجزت عن تحقيق أشواق الشعب السوداني، ولم تقدم أي شيئ غير تهديم القديم، الذي طال هدمه سور مبنى المجلس الوطني بحجة إزالة آثار مايو ! ، وإهمال صيانة ذلك المبنى التاريخي ،حتى أمسى سكناً مريحاً للطير .. وقيل “الجِن” !. وبدأ الشعب يتململ ويسب الديمقراطية جهاراً نهاراً ، حتى كرهت الحكومة المُنتخبة نفسها الديمقراطية، حين نُشِر على الهواء ومن داخل قبة البرلمان حديث زعيم كبير، يئس من ذلك الحال، حين قال : (الديمقراطية لو شالها كلِب ما بنقول ليهو جر). وجاء إنقلاب الإنقاذ بسبب المشاكسات بين السياسيين ، بل شارك بعضهم الإنقلابيين في الوصول لكراسي السلطة، إلا أنه للأسف الشديد معظم تاريخ السودان الحديث مزوّر، وخلق بعض البطولات المزيّفة.حتي صار بعض السياسيين هم مع أي حكومة.. لا يفصلهم من كرسي السلطة إلا الموت!.

وما أشبه الليلة بالبارحة، قامت ثورة ديسمبر… والأربعة أعوام قد مرّت، وعجزنا عن تشكيل هياكل الدولة من مجلس وزراء، ومجلس تشريعي ومحكمة دستورية وهياكل سلطة ومفوضيات،حتى أصبحنا نفتش للحكومة في “خشم فولكر”! ، وكل ما قدرت عليه من تغيير هو الخراب الذي بدأ يدب في المباني والطرقات،وتغيير معالم العاصمة، حين تم نهب بعض المرافق مثل عُهد مدينة الطفل، وإتلاف مئات أعمدة الكهرباء ، وإزالة آلاف الأمتار من “الإنترلوك” في أهم الشوارع الرئيسية للعاصمة، من شارع المطار ،والنيل، والستين وغيرها ، وقبل أيام نشهد صراع النقابات حول إدارة مستشفى المعلم ! ، حتى كاد أن يتوقف عن العمل، وقبل أيام صراع الصحفيين ، بين الإتحاد والنقابة، وأمس صراع المحامين ، وسيطال الخراب مبنى “دار المحامين”، أجمل وأبهي المباني! . محامون يُرجي منهم أن يرسِّخوا مبادئ العدالة، خرجوا أمس على طريقة أناشيد الديمقراطية القديمة الزائفة :

عصينا عصينا
وشِلنا عصينا
على الحرية منو بوصينا؟!

وهذا الخراب والصراع الذي نشهده، سببه غياب الحكومة وهياكلها، ولو كانت هناك حكومة قائمة، لعقدت جمعيات عمومية لكل تلك المكونات المدنية من معلمين ، ومحامين، وصحافيين، وغيرهم ، لاختيار مكاتبهم التنفيذية من داخل جمعياتهم العمومية، ويا ديار” ما دخلِك شر”.

وإن استمر الحال على هذا المنوال ستتقسّم كل مكونات الشعب السوداني ، والتي بدأ فيها المستعمر الجديد على نار هادئة، ورفع شعاره القديم (فرِّق تسُد)!

والله المستعان

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
2نوفمبر 2022

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى