أعمدة

حالـة قلـم مـحمود الـنور “واحد كيلو” مواصلات

أن تتدخل الدولة لتحديد تعرفة المواصلات العامة، فهو أمر مطلوب وضروري، ويُوحي بأنه ما زال هناك “حكومة” في بلد العجائب وزمن الغرائب هذا، فالواقع أن ظهر المواطن أصبح مكشوفاً في وجه هجمات معيشية ضارية وضاربة، جعلته نهباً للجشعين والانتهازين من السماسرة و”الكمسنجية” وتجار الأزمات والاستغلاليين، وتماسيح السوق، وصولاً إلى “الرأسماليين” الكبار، بعد أمنوا مساءلة الدولة ورقابتها، وما عادوا حتى يخشون أضواء الإعلام وأقلامه، بما أن الجميع مشغولون بمعارك سياسية عبثية، أضاعت ثلاث سنوات من عمر الوطن بلا جدوى.
وبالضرورة، قطاع المواصلات العامة ليست استثناءً من موجة الفوضى والغلاء هذه، خاصة في ظل تحرير أسعار الوقود، وعدم وجود جسم بعينه يُعنى بتنظيم حركة المواصلات ويدير شؤونها، إلا أنه من الضروري الإشارة إلى أن التدخل غير المدروس قد يأتي بنتائج عكسية تزيد من معاناة المواطن، المتضرر الأول والاخير من فوضى المواصلات.
بالنظر إلى خروج الدولة شبه الكُلي من قطاع المواصلات، وانحسار دورها إلى “بصات الوالي” شركة مواصلات الخرطوم، فالأمر لا يحتاج إلى كثير جهد للقول بإن القطاع الخاص هو الذي يسد الفجوة “المهولة” في وسائل النقل العام، لذلك يبدو واضحاً إن حيثيات الحديث عن تحديد سعر التعرفة بالكيلو، بواقع ٢٥ جنيهاً للكيلو الواحد، هو حديث لم يستصحب وجهة نظر مُلاك وسائقي الحافلات وغيرها من وسائل المواصلات، وطبعاً هم هُنا يمثلون الحلقة الأقوى في سلسلة أصحاب المصلحة، وإذا ما تجاوزنا عن الاستغلالية والانتهازية التي تسيطر على عدد كبير من هؤلاء، لا بُد من الإقرار بأن الأزمة الاقتصادية طالتهم أيضاً، فبجانب ارتفاع أسعار الوقود “بعد تحريرها” هناك ارتفاع كبير في مدخلات التشغيل والصيانة “قطع الغيار والإطارات، وزيوت المحركات” بالإضافة إلى رسوم الترخيص والتأمين السنوية، فضلاً عن هؤلاء السائقين و”الكماسرة” هم في النهاية أرباب أُسر وأولياء أُمور، عليهم ما عليهم من التزامات سكن وعلاج ومأكل ومشرب ورسوم دراسية.
إذاً، أزمة المواصلات هي جزء من الأزمة الاقتصادية الكُلية، وحلقة من حلقات الدائرة الجهنمية المتسببة في غلاء الأسعار، ومع ذلك، فإن البحث عن حلول بعيداً عن السائقين ومُلاك وسائل النقل، لن يعدو كونه حرثاً في بحر الفوضى.
على الجهات المسؤولة إن كانت جادة في معالجة أمر المواصلات، أن تُقْدِم على اتخاذ حلول جريئة وغير تقليدية، كإعفاء قطع غيار مركبات الرُكاب من الجمارك، وتخفيض رسوم الترخيص أو بالعدم تقسيطها، وإعادة النظر في المخالفات المرورية كظرف استثنائي، ومن ثم وضع ضوابط ولوائح لتنظيم الحركة مع تشديد الرقابة.
على كُلٍ، فإن نظام التكلفة أو التعرفة حسب الكيلو، معمول به في كثير من دول العالم، ولكن في مركبات الأجرة، وليس مركبات النقل العام، ونُشير هنا إلى هنا إلى حكومة ولاية الخرطوم، أخفقت حتى في ضبط “بصات الوالي” وإلزام سائقيها للعمل بنظام المحطات، فكيف لها أن تُلزم الحافلات والبصات الأخرى للعمل بنظام محدد، بصرف النظر عن الجدل بشأن التعرفة المنصفة والعادلة للكيلو، عِلماً بأن تطبيق هذه الخطوة من شأنه أن يضاعف التكلفة عن ما هي عليه الان.
ومهما يكُن من أمر، فقطاع المواصلات بكل ما هو عليه من أهمية وحيوية، يحتاج إلى حلول غير اعتيادية وشجاعة، بدلاً من الحلول الفوقية القاصرة.

ودُمتُـم سالميـن

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى