أعمدة

(سطور ملونة) .. محمد أ حمد مبروك .. أكلوا من بيوتهم !!

استيقظت السيدة في باكر الصباح .. وما أن فتحت عينيها تأوهت وهي تكاد تبكي لأنها تذكرت أن الثلاجة خاوية والمال لديها شحيح ..
تركوا طلاء المنزل وصيانة الأبواب وتجديد الملابس وشراء الفاكهة والحلويات واقتصروا في الدواء على ما تفرضه ضرورات الحياة والموت .. وتباعدت الأيام بين ربع كيلو اللحم والذي يليه ..
تقلصت الوجبات إلى اثنتين ، وتحددت اوقات الشاي السادة بصرامة ، وكذلك شاي الصباح باللبن الذي أصبح قريبا من السادة وهي قدرة نصف رطل اللبن ..
توقفوا عن المجاملات التي فيها (قدح) ، وأصبحت المشاركة في العزاء قاصرة على ما لا سفر فيه ..
رغم ذلك كله أصبح الضيق يواجه معيشتهم .. ويشتد خانقه إذا أضطروا لتلبية حاجة مدرسية أو طاريء علاج ..
كيف يا ربي العمل !!
هذا ليس صورة مأساوية مصطنعة فهي قصة حقيقية ، وهي نموذح لغالبية أسر الطبقة الوسطى ومن هم دونهم .. وهم الغالبية الساحقة ..
جاعوا في بلد يمكنه إطعام نصف سكان الأرض .. ولا يحتاج إنتاح الطعام فيه إلى كبير عناء أو تكلفة يعجز عنها أحد ..
تراب وماء وبذور هي فقط مطلوبات إنتاج الطعام . وليس هناك حد أدنى أو حد أقصى .. بحيث يمكن الزراعة في كيلو جرام واحد من التراب أو في مليون فدان .. وهذا يسد الباب أمام التعلل بحجة عدم توافر الإمكانات .
حدثتني سيدة سودانية راقية تحمل الجنسية الألمانية وتقيم هناك ، أنها تنتج معظم إحتياجاتها من الخضراوات في بيتها الذي ليس له (حوش) إلا من باحة صغيرة ٣×٣ .. فهي تزرع في الأصايص الطماطم والفلفلية والشطة والخيار .. وتزرع في أحواض بلاستيكية وأكياس الخيش البقدونس والخضراوات الورقية الخضراء والجزر والبنجر والثوم والبصل . وان انتاجها يغطي نسبة معقولة من إحتياجات بيتها ..
وعندما سألتها لكن أين تضعين هذه الأشياء . قالت إنها تستغل كل شبر من باحتها الصغيرة ، لكن معظم زراعتها توضع في مساطب النوافذ وتعلق على الجدران ، حتي أن المزروعات تحجب الحوائط !!
أنظر بالله لمساحات الأراضي الخالية عندنا بل والبكر التي لم تزرع منذ أن هبط إدم عليه السلام إلى الأرض وهي (مئات ملايين الأفدنة) .. أنظر الى الحيشان (الحدادي المدادي) .. أنظر إلى الساحات الغبراء ..
وأنت تعلم أن الماء في السودان وفير لا يعجز أحد عن الحصول على كفايته منه من شبكة أنهاره الغنية الفياضة الدفاقة ، ومن أمطاره التي تغرق البلاد كل عام بسيولها ، ومن بحيرات مياهه الجوفية التي تعتبر الأغنى في الدنيا والتي لا تخلو منها منطقة في بلادنا .
وإذا فعلت كل أسرة ما فعلت سيدة ألمانيا الراقية فإن الأسر ستوفر مجانا نسبة مقدرة من احتياجها مما يوفر جزءا من دخلها يوجه إلى إحتياجات أخرى واتاحت فرصة للمنتجين لتطوير الصادرات الزراعية .
عجبت أشد العجب من رجل إسمه عبد الغفار فتح الرحمن صاحب بيت الفلاح في عطبرة وهو صاحب خبرة طويلة في البنك الزراعي حيث وجدته مشجعا للزراعة المنزلية وزراعة المساحات الصغيرة . ويوفر لطالبيها البذور بالكميات الصغيرة التي تتطلبها مساحاتهم ، وبأسعار أكياس التسالى وفول القزقزة !! ومعها يقدمون له الإرشاد الزراعي .
ولاية نهر النيل لا تحتاج إلى حديث عن خبرة إنسانها وقدراته في الزراعة وصبره في زراعة المساحات الصغيرة .
وزارة الزراعة ووزيرها المكلف يرتفع الأمل فيهم عاليا في حسن تفهمهم لكل ما ينهض بالإنتاج الزراعي . ولن نحدثكم عن الوالي محمد ابو قرون فهو ابن الباوقة التي كان يسميها أهلها (كوع الجنة) إشارة إلى عظمة ما فيها من زرع .
صحيفة الفلاح المرتقب صدورها قريبا عن نادي الفلاح الرياضي باهتمامها بتطوير نشاطات جماهير النادي مهتمة منذ الٱن بهذا العمل ضمن اهتمامها بكل مشاركات النادي وجماهيره في كل الأنشطة التي تخدم قضايا انسان المنطقة والولاية والوطن الكبير ، وتحقق لهم الخير في المجال الاجتماعي والثقافي والرياضي .
على كل حال توكلت على الله وسأدعو السيد الوالى أبو قرون ووزير الزراعة وبيت الفلاح وجماهير الفلاح لتبني مشروع الزراعة المنزلية وزراعة المساحات الصغيرة . وسأفيدك إن شاء عن رد الفعل على هذه المبادرة .
قلت لي : وانت شخصيا لماذا لم تزرع في منزلك .
أقول لك : القال ليك منو انا ما زرعت .. لقد زرعت من قبل البطيخ والعجور وعندي الٱن شجرة ليمون أثمرت في البرميل واليوم الخامس من يناير حققت الإكتفاء الذاتي من الفلفل الأخضر والشطة . وأعددت العدة لزراعة الجرجير والرجلة والملوخية والطماطم ..

محمد أ حمد مبروك

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى