أعمدة

حالة قلم محمود النور القبلية .. شبح العُنف

يبدو أن أخبار الصراع والاقتتال القبلي في ربوع السودان المختلفة، ما عادت تُدهش أحداً أو تُحرك ساكناً، ويتساوى في ذلك الجميع (الحكومة، الأحزاب، الحركات المسلحة، منظمات مجتمع مدني، الإدارات الأهلية، وحتى الإعلام) ومهما ارتفعت أعداد القتلى والضحايا، فإنها في النهاية تظل مجرد أرقام جديدة، تضاف لقائمة طويلة ومتطاولة، من اعداد الذين ماتوا “سمبلة” في هذا الوطن المنكوب، وتتبدى هذه اللا مبالاة بنظرة سريعة إلى ردود الأفعال التي غالباً لا تتجاوز صفحات الفيس بوك، وغيره من وسائط التواصل الاجتماعي، وهي بدورها لا تتجاوز كونها دعوات ومناشدات مع كل أزمة قبلية أو مناطقية.
ما حدث ويحدث في غرب كردفان، ومن قبل في النيل الأزرق، وغرب دارفور في وقتٍ سابق، وغيرها ذلك، هو بالأساس نتاج طبيعي لغياب الحكومة والدولة، في ظل هشاشة أمنية بائنة لا ينكرها إلا مكابر، وانتشار الفوضى المتمثلة في أخذ الحقوق باليد، دونما وازع من دين أو أخلاق أو قانون.
حتماً المسؤولية في المقام الأول والاخير مسؤولية الدولة، فهي المعنية بحفظ القانون، وبسط الأمن، وفرض هيبة الدولة، لكن للأسف الدولة نفسها أصبحت مشغولة بصراعات سياسية ونخبوية، ونزاعات تدور حول الكراسي بعيداً عن المواطن، ولا يهمها إن مات هذا المواطن بالجوع أو بيد أخيه المواطن، وهذا يعني أنه ستُزهق أرواح كثيرة في إنتظار أن تنتبه الحكومة لمآسي الاقتتال القبلي، فهي حتى وإن تدخلت فسيكون تدخلها متأخراً، وحلولها ستكون على شاكلة دفن الرؤوس في الرمال، حلول مؤقتة يقفز فوقها المتصارعون عائدين إلى ساحات الاقتتال.
إذاً، إن كان هناك من أمل فهو أن يلعق المجتمع جراحه بنفسه، من خلال مبادرات اجتماعية خالصة، تنأى عن كل دعم حكومي أو حزبي لإبعاد الشبهات والأجندة، وأول ما ينبغي التركيز عليه هو رفع الوعي وسط القبائل، وهو المطلوب الأهم لتعزيز التعايش السلمي في أي مكان وأي زمان.
الواقع أنه ما لم يتداعى الجميع لتحمل مسؤولية نشر ثقافة السلام، فإن عدوى الاقتتال القبلي ستنتشر إلى لتأكل نارها الأخضر واليابس، وعندها لات ساعة مندم، والمؤسف هنا أن خلفيات كل الصراعات القبلية، التي شهدتها البلاد مؤخراً، كلها خلفيات معلومة وبمؤشرات واضحة، ونُذُر الحرب كانت بائنة، ما يعني أنه كان بالإمكان تفادي ما حصل في غرب كردفان أو في النيل الأزرق، لكن ذلك لم يحصل، وهو ما يعضد فرضية وجود “طرف ثالث” مستفيد، في كل اقتتال ينشب بين قبيلتين جارتين.
إن كان هناك من مناشدة لأطراف النزاع الاخير، فهي إلا يكونوا أدوات في أيدي غيرهم، لتنفيذ أجندة أو تحقيق مآرب على حساب دماءهم ودماء الاخرين.
في النهاية:
ما الحرب إلا ما علمتم وذُقتُم ..
وما هو عنها بالحديث المرجّمِ ..

ودُمـتُم سالميـن

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى