أعمدة

صهيل الخيل : التوافق السياسي الاطاري هل يصل الي نهاياته السعيدة :  د. عبدالمجيد عبدالرحمن ابوماجدة 

“1”   بعد طول أزمة مستفحلة وتقاطعات سياسية وامنية وإجتماعية مركبة امتدت لأكثر من عام كامل وخمسة أشهر بالتمام والكمال من الوقت ، وقع المكون العسكري السوداني اتفاقاً مع عدداً من القوى السياسية المنضوية تحت المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير “قحت” في الخامس من ديسمبر 2022م حمل اسم “الاتفاق السياسي الإطاري” بدعم دولي وإقليمي واسع منقطع النظير . إنّ  تعقيدات المشهد السياسي السوداني خلال الاشهر الماضية يراقبه العديد من الأطراف المعنية في الداخل والخارج للاتفاق الموقع بقدر من التفاؤل الحذر في ظل كونها هذه الخطوة تشكل الاتفاق الموسع الثالث الذي يتم توقيعه في السودان منذ بداية المرحلة الانتقالية في أبريل 2019م بعد الاطاحة بنظام المؤتمر الوطني المحلول والاعلان عن الوثيقة الدستورية والاتفاق الذي تم بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح بحاضرة دولة جنوب السودان في عاصمتها جوبا والذي اُطلق عليه “اتفاق جوبا لسلام السودان” .           “2”  إنّ  المشكلة السودانية ليست وليدة اللحظة بل هل نتاج لتراكمات ماضية لم تجد طرقاً للحل حتى اصبحت “ازمة” حقيقية في شتى مناحي الحياة السودانية الداخلية والخارجية ، التي تعاني منها المرحلة الانتقالية في السودان اليوم . هذا الامر يقابله العجز التام في التنفيذ وإحراز أيّ تقدم ملموس على أرض الواقع ، بينما حمل الاتفاق الإطاري عدداً من المظاهر اللافتة على مستوى الشكل والمضمون ، إلاّ أنه كشف في الوقت نفسه عن عدداً كبيراً من التباينات الداخلية ذات الأهمية في استشراف مستقبل الاتفاق السياسي ذات نفسه في مراحله النهائية .              “3”  تم التوقيع على الاتفاق الإطاري بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام لقوات الشعب  المسلحة ، والفريق أول محمد حمدان دقلو القائد الاعلى لقوات الدعم السريع ممثلين عن المؤسسة العسكرية ، بجانب عدداً من القوى السياسية المنضوية تحت مظلة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير “قحت” والتي تصدر مشهدها هذه المرة حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني فضلاً عن عدداً من الأحزاب والحركات السياسية والتنظيمات ذات التوجهات الإثنية والجهوية والايديولوجية ومنظمات المجتمع المدني . كما إنّ التباينات المختلفة كشفت التفاعلات المهمة على التوقيع للاتفاق السياسي الإطاري  تحولات مهمة في خارطة القوى السياسية السودانية أفضت إلى استعادة المجلس المركزي من قوى الحرية والتغيير “قحت” لموقعه المؤثر في اتجاهات التسوية السياسية المُقبلة ، وهو ما جاء على حساب مجموعة الميثاق الوطني الذي تشكل بالأساس من الفصائل المسلحة التي دعمت قرارات رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م والتي اُطلق عليها الاجراءات التصحيحية لمسار الثورة السودانية.             “4”  إنّ التوقيع على الاتفاق الاطاري سبقه سلسلة من لقاءات قيادات حزب الأمة القومي والتفاعلات التي استهدفت التقرب مع عدد من القوى المحسوبة على التيار الإسلامي التقليدي وعلى رأسها حزب “التجمع الاتحادي الأصل ، وحزب المؤتمر الشعبي ، وجماعة أنصار السنة” الأمر الذي انعكس في ظهور تأييد جزئي من بعض عناصر الكيانات الثلاثة للاتفاق الإطاري . امّا من الناحية الاخرى فقد حظى الاتفاق الإطاري بقدرٍ محدود من التوافق بين جميع التفاهمات والاتفاقات السياسية الموقعة بين الفرقاء في السودان منذ إزاحة البشير في أبريل 2019م ، وذلك مقارنة بالاتفاق الذي أفضى لإصدار الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م ، أو اتفاق سلام جوبا الموقع في الثالث من أكتوبر 2020م.  إذ اتسعت قائمة المعارضين للاتفاق لتشمل بعض القوى المؤثرة التي لعبت دوراً رئيسياً في معارضة قرارات البرهان بحل مجلس الوزراء الانتقالي في الخامس والعشرين من إكتوبر2021م والتي تبنت موقفاً سياسياً متشدداً منذ ذلك الحين ، وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي ، وكذلك لجان المقاومة التي تحظى بتأثير ظاهر وملموس على الأرض خاصة في المناطق الحضرية بالخرطوم والخرطوم بحري وامدرمان وبعض المدن الحضرية ، على الرغم من افتقادها للتماسك التنظيمي اضافة لتجمع المهنيين والذي يصفه الكثير من المراقبين بانه هو العقل المدبر والمفكر والمبتكر للثورة السودانية المتراكمة التي اكتملت فصولها بفضل الوسائل والوسائط الحديثة “الانترنيت” التي اصبحت المنصة الرئيسية الوحيدة التي يتلقى منها الثوار والثائرات الكنداكات جداول المظاهرات حتى تم إسقاط نظام الإنقاذ.   كذلك استمر عدداً من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية في معارضة الاتفاق الإطاري باعتباره يشكل امتداداً لاستبعدها من المشاركة الفعالة في أي من الاتفاقات الرئيسية في السودان منذ سقوط البشير ، وهو الموقف ذاته الذي تبناه عدداً من كيانات الإدارات الأهلية هذه الايام  كما لم تكن محاولات حزب الأمة القومي في التقارب مع عدد من الأحزاب الإسلامية كافية في اجتذاب دعمها بصورة كاملة للاتفاق السياسي الإطاري ، بحيث أدى تأييد كمال عمر المحامي وهو أحد رموز المؤتمر الشعبي واساطينه القانونيين ، للاتفاق إلى إصدار هيئة الحزب بياناً رسمياً معارضاً للاتفاق ، وهو ما تكرر مع محمد الحسن الميرغني الذي أيد الاتفاق في الوقت الذي أعلن فيه الحزب الاتحادي الأصل معارضته للاتفاق رسمياً.             “5”  إنّ اللافت للامر بأنّ قائمة معارضي الاتفاق السياسي  الإطاري قد اتسعت لتشمل  كتلة قوى الميثاق الوطني من قوى الحرية والتغيير والذي شكل تحالفه مع المؤسسة العسكرية وهو يعتبر مصدر الدعم الرئيسي لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م وما تلاها ، بحيث أعلنت حركة العدل والمساوة التي يرأسها الدكتور جبريل إبراهيم  وفصيل حركة تحرير السودان الذي يرأسه مني أركو مناوي ومجموعة الحركة الشعبية مبارك اردول وكثير من الفصائل والجماعات معارضتهما القوية للاتفاق السياسي  الإطاري ، وهو ما يضيف الي الحركتين الرئيسيتين التي ما زالت تحمل السلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال التي يقودها عبد العزيز الحلو ، وفصيل عبد الواحد محمد نور من حركة تحرير السودان وهما من أهم الحركات المسلحة في السودان على مستوى القدرات العسكرية والجماهيرية واللتين رفضتا التوقيع على أي اتفاق سابق منذ سقوط البشير في ظل تبني كل منهما قائمة مطالب متشددة  .   *كاتب وباحث سوداني*  Abdulmajeedaboh@Gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى