أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي .. قيد في الأحوال ..رجال المرور .. وحملات المرور المفتري عليها !!

ظل البعض ينظر لحملات رجال المرور على الطرق، ومراجعة تراخيص المركبات ورخص القيادة، بالسخرية ، وأنها تأخير للوقت ، لدرجة جعلت بعض المسئولين يتعاطفون مع المواطنين الذي يخرقون القانون ، بعدم ترخيص، مركباتهم ، ويُعطَّل لهم القانون ، وذلك بمنع تلك الحملات لفترة من الزمن !، وبسبب هذا التعطيل للقانون ، تقع حوادث ، وتُهدر أرواح بشر ، لعدم صلاحية فرامل المركبة مثلا ، وتقع حوادث أخري بنفوق حيوانات بسبب تعطل إنارة تلك العربات “المعفيّة” التي تستغل الطريق ليلاً ! ، هذا إضافة لإخراج عشرات العربات المسروقة ، التي كانت مُخبّأة لاستغلالها في ارتكاب جرائم السرقات والنهب والمخدرات والأفعال الفاحشة وغيرها ، لدرجة أننا نشاهد يومياً أمامنا على الطريق العام وداخل العاصمة عربيتين بدون لوحة من عشرة ، في لحظات ! ، كيف لا… والجو قد خلا من شرطي مرور يراغب ويوقف ويفتش ويضبط ويقبض ؟! ، في بلدٍ استشري وانتشر فيها الحرام و”البوكو حرام”، ومروِّجو “الآيس” الفَجَّرة اللئام !!!.

ثم ينسي هذا المسئول ، والمواطن ، أنّ رجل المرور ، إضافة لمهامه واختصاصه في عمل المرور ، فهو رجل شرطة أولاً ، ينفذ قانون الإجراءات الجنائية الذي يمنحه سلطة القبض والتفتيش والإشتباه ، وينفذ ماجاء في القانون الجنائي والقوانين الأخرى من قانون الأسلحة والذخيرة والحشيش والأفيون وخلافه .

إنّ فترة عملنا في الشرطة التى فاقت الثلاثين عاما ، عملنا فيها ضباط جنايات، ورؤساء أقسام، ومدراء محليات، ومدراء شرطة ولاية ، والحمد لله، هذه التجارب كشفت لنا ، أنّ الكثير من المطلوبين جنائياً يتم القبض عليهم أو الإرشاد إليهم عن طريق رجال المرور ، لتواجدهم المستمر على مداخل ومخارج المدن بالإضافة لأعبائهم الرئيسية ، وفي الصحاري والأصقاع ، بأمثلة وبلاغات حيّة يثبتها واقع الحال ودفاتر الأحوال والبلاغات ، حيث اكتسب رجال المرور خبرات أثناء عملهم على تلك الطرق ، عادت على الشرطة بإنجازات ضخمة بالقبض على المطلوبين جنائياً، وضبط المخدرات بأنواعها ، والبضائع المهربة، والمسروقة، والأسلحة والذخائر، وجرائم الإتجار بالبشر، إضافة إلى تنظيم تفويج عطلات الأعياد والحد من الحوادث ورجل المرور علّمه عمله على الشارع العام ، بأنّ العربة المحمّلة بالجوافة ، وداخلة على مناطق الإنتاج ، يجب إيقافها وتفتيشها، ويحدث ما يتوقعه شرطي المرور بأن العربة ، إنما يُخبَّي بداخلها مئات الكيلو جرامات من البنقو ! ، وشحنة الجوافة كانت غطاءً فقط ، واختيار الجوافة بالذات لأنّ لها رائحة نفّاذة تطغى على رائحة البنقو ، وكم حفّزنا هؤلاء الرجال في هذا المجال ، ومثال آخر ، لتلك الدورية التي أوقفت عربة تانكر لمراجعة رخصة العربة والسائق ، وهي متجهة لمنطقة ليس فيها ما يستدعي دخول وقود ، وبالإصرار على التفتيش ، كانت المفاجأة بأن التانكر مخصص لنقل المخدرات، وليس الوقود !!، ويحمل بداخله ستة أطنان من البنقو !! ، ثم مثال آخر واقعي ، هو وقوع حادث إنقلاب عربة لوري محمّلة بالبضائع في محاذاة قرية من القرى ، على شارع الاسفلت الرئيسي، وتمر دورية المرور في الصباح الباكر ، وتقف على محل الحادث ، وتقوم بالإجراءات المتبعة، حيث لقى السائق حتفه ، وآخر بجانبه على، قيد الحياة ، لاحظ أفراد المرور بأنّ هذا المرافق في عجلة من أمره ، رغم ما وقع على صاحبه ، ويريد أن يتخارج من مكان الحادث ، ويركب أي عربة أخرى، متعللاً بظروف تضطره للمغادرة ، ويصر رجال المرور بأن يذهب هذا الرجل معهم للقسم ، لإكمال باقي الإجراءات ، بعد نقل جثمان رفيقه ورفع البضاعة للقسم . وكان عمل المرور في ذلك الزمان لم ينفصل عن العمل الجنائي، وكانت بلاغات المرور يتم فتحها بالقسم الجنائي بدفتر بلاغات المرور ،، وكانت المفاجأة أن يدخل صاحب الدكان المسروق للقسم ، ليبلِّغ عن كسر دكانه في الرابعة صباحاً !، فكانت المفاجأة الكبرى أن يري كل بضاعة دكانه “المابتغبا عليه” أمام ناظريه !. المعروضات بكاملها داخل القسم ،حتى ميزان الدكان والموازين !! ، واتضح أنّ الذي كان في عجلة من أمره هو معتاد إجرام خطير ! ، وأنه أجّر العربة اللوري من أجل السرقة ، وكان البلاغ الجنائي واكتمال أركان جريمته، بوجود المتهم والمعروضات ، بفضل الله ورجال المرور على الشارع العام ويقظتهم . ومثال آخر ، وقوع جريمة خطف كبيرة مشهورة ، حدثت قبل سنوات في ولاية الخرطوم، وهزّت أركانها،وشغلت الرأي العام ، لدرجة متابعة مدير دائرة الجنايات وقتها، الأخ الفريق شرطة تاج السر “أب ساطور” شخصياً ، ألبسه الله ثوب العافية، حيث تعود وقائع البلاغ لخطف صبي في الرابعة عشر من عمره من أمام مدرسة إنتقاماً من والده ، خلاصته ، تم ضبط المتهم والمخطوف والعربة خلال ثمانية وأربعين ساعة ، بناءاً على النشرة التي وصلت لأفراد المرور ، في أصقاع ولاية مجاورة ، حين أوشك المتهم على دخول ولاية ثالثة، ثم حدود السودان . والوقائع والشواهد التي يقوم بها هؤلاء الجنود المجهولون كثيرة ، لا تحصى، رغم البيئة السيئة والإمكانيات التي يعملون فيها، وأحياناً كثيرة ، بدون دورية جاهزة تطارد ، وبدون سلاح يحمي به نفسه، ومخاطر يتعرّض لها من سائقين متهورين ، يخاطر أحدهم بأن يدهس شرطي المرور مقابل أن يهرب ، وكم من شهداء سقطوا من رجال المرور في مثل هذه المواقف، ولا يذكرهم أحد ! وبعض المواطنين ما يزالون في ظنونهم وشكوكهم ونظرتهم لرجل المرور بأنه مرتشي ، ويقبض راتبه من الشارع، وحتى إن كان ذلك قد حدث، فهو حالة نادرة ومن أفراد نشاذ ، وضعاف نفوس، ونقطة صغيرة سوداء يبرزها كاكي أبيض ناصع البياض ! ، من آلاف مرتادي الأبيض من الشرفاء الذين كم كنت أعتز بقيادتهم ومازلت ، وينسي المواطن أنه في الغالب الأعم هو “الراشي” و”الوسيط”، الذي لعنه الله ايضاً !، فكيف يستقيم حال ضعيف النفس التي قال الله عنها (وما أبرئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء) ، والمواطن هو السبب في ذلك، من أجل أن يسرع ويخرج ماله ، ويخارج نفسه !.

إنّ المدنيّة لا تأتي بالتمنِّي والمجاملات ، بل تأتي بقيام الحكومات الرشيدة والمؤسسات القوية، وتنفيذ القوانين الصارمة ،،، وليست المدنية هي التي يريدها المواطن أو المسئول على هواه، حتى فاحت رائحة المثل المعيب، وتفشّت ، بمقولة : “دي المدنية الدايرنها” نكايةً وتشفِّي وشماتةً في المدنية التي لم تُولد ، وفي مخاض عسير ، استمر زهاء الأربعة أعوام ومازالت الأم تعاني، وكادت أن تفارق الحياة ، بسبب صراع وخلاف الأب وأقربائه ومقربيه !.

والله المستعان

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
22يناير 2023

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى