أعمدة

(بُعْدٌ .. و .. مسافة) … مصطفى ابوالعزائم .. بالأمس .. كان معنا محجوب شريف ..!

بالأمس القريب كان معنا شاعر الكلمة الطلقة ، والمفردة الشعبية العميقة الراحل محجوب شريف ، نعم رغم رحيله عنا في أبريل من العام 2014 م ، وكان هو موضوعنا الأثير مع الأخ الكريم الأستاذ خالد حسن كسلا ، وقد كنا رفقة في طريقنا إلى الخرطوم ، وتحدثنا في الشأن العام ، وما يمكن أن تكون عليه مآلات ما يحدث الآن في ساحة العمل السياسي ، وإنعكاساته على مجمل حياة المواطنين .
وتطرقنا إلى مواقف الأحزاب والقوى السّياسية المختلفة ، من الإتفاق الإطاري ، وعن أثر وتأثير الحزب الشيوعي وقوى اليسار على الشارع ، وترحمت على شاعرنا العظيم محجوب شريف ، وقلت لأخي خالد حسن كسلا ، إننا نؤمن بأن الموت حق .. والحياة باطلة .. هكذا تعلمنا منذ الصغر ، هكذا علمتنا الحياة.. وهكذا علمنا الموت.
وقد رحل الأستاذ والشاعر الكبير محجوب شريف.. عن دنيانا في أبريل من العام 2014م ، وهو نموذج للنبل والصدق وطهارة الحرف والقافية.
عرفته ـ رحمه الله ـ منذ وقت بعيد، ولو قدّر الله سبحانه وتعالى لي أن أكون شيوعياً أيام الصبا الأولى لكان شاعر الشعب هو السبب .
أحببت أشعاره ، منذ أن أخذ اسمه يلمع في بدايات حياته الشعرية عندما أخذ يصدر الدواوين ، وكنا صبية تجذبنا الكلمة الأخاذة والمؤثرة التي لها وزن وقيمة وقافية ، وإنجررنا وراء كلماته حتى تلك التي تغنى فيها لنظام مايو ، قبل أن تحدث المفاصلة ما بين النظام والحزب الشيوعي السوداني .. وقد يعمل معلماً وقتها وأقام لفترة معنا في الحارة الأولى بمدينة الثورة .
أصدر الراحل المقيم محجوب شريف ديواناً تضج صفحاته بالثورة والدعوة للتحرر ، كان إسم الديوان الذي يسوّق لفكرة الثورة «أغنيات لمايو» وحمل عدداً من الأناشيد الوطنية التي كتبها الشاعر وتغنى بها الراحل الأستاذ محمد وردي ـ رحمه الله ـ .
حفظنا الديوان كله ، ثم إنقلب النظام على الشيوعيين ، وأخذت قصائد الشاعر تنطلق مثل الرصاص في مواجهة النظام ، هو يطلق القصائد ونحن نحفظ ، وكنت وصديقي الراحل ابن مدينة رفاعة الوفي الرشيد الجزولي حاج عمر ، كنا الأكثر إعجاباً بما تجود به قريحة شاعرنا العظيم ، ابتداءً من «ما دوامة صحيح يا شعبنا ما دوامة» مروراً بـ « رغم القيد ورغم السيف راية العزة ما بتِنْذلّ ».
كان الشعر هتافياً حاراً جاذباً ، وحاول أصدقاء مقربون تجنيدنا للحزب الشيوعي من واقع إعجابنا وتأثرنا بما قال الشاعر ، بعضنا ذهب في ذلك الطريق ، وبعضنا إكتفى بالصداقة من بعد ، ليقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والتنظيمات ، خاصةً وأن كل الأحزاب في ذلك الوقت كانت تنشط في تجنيد الشباب لصفوفها ، بدءاً من الأحزاب العقائدية اليسارية واليمينية ، مروراً بالأحزاب ذات الطرح القومي والعروبي ، وانتهاء بالأحزاب الطائفية التي تحاول إجتذابنا بإنتماء أسلافنا لها.
في أوائل ومنتصف سبعينيات القرن الماضي كنت مداوماً على الصلاة في مسجد «شيخ أبوزيد» كما كنا نسمي المسجد ، والشيخ المعني هو الشيخ أبوزيد محمد حمزة ، الذي أُعجِبنا به وبثوريته وشجاعته وقوة حجته في المواجهة ، ومسجده قريب من منزلنا في الثورة ، وقد نشط بعض أبناء الحي في دعوتنا للالتحاق بركب الدعوة ، وكنت من الذين فاتحوهم في ذلك ، وقد أجبت على الدعوة بأن ذهبت إلى الشيخ أبوزيد محمد حمزة رحمه الله، الذي ضحك كثيراً عندما قلت له إنني شاكر تلك الثقة لكنني لا أنفع وسط الجماعة لأن «شيطاني كبير» وقلت له إنني أحب الشعر والغناء.
وهكذا كان حالنا مع بقية الجماعات التي اتخذت الثقافة أو الفكر مدخلاً لاجتذاب الشباب .. وكبرنا وحدّدنا إتجاهاتنا ، لكن ظل أثر الشاعر الكبير محجوب شريف باقياً فينا شعراً وقولاً وسلوكاً وطهراً ونبلاً.
شكرت أخي وزميلي خالد كسلا على الصحبة وعلى نقاشنا في الشأن العام ، وعلى إتيانه بسيرة شاعر أحببنا فيه شاعريته وإنسانيته معاً .
اللهم ارحم محجوب شريف رحمة واسعة ، وادخله فسيح جناتك ، وأنت تعلم عنه ما لا نعلم ، فأنت علاّم الغيوب ، اللهم وسع مدخله وتقبله القبول الحسن ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى