أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب في (قيد في الأحوال) .. التّنحي عن السلطة لا يعني “خطوة للخلف مارش”، بل يعني الإنصراف بغير رجعة !

بما أنّ المنصب هو سند يتطابق مع تعيين حامله. درجت العادة السيئة في السودان ، إذا اعتلي أحدهم منصب سياسي ، وتمت إقالته منه ، أن يسعى جاهداً في التشبّث بأي منصب سياسي آخر ، حتى ولو كانت درجته أقل مما كان يتقلّده، وهذه سنة سيئة سنّتها الحكومات المتعاقبة على مرّ السنوات في السودان ، فمثلاً ، تجد مسئولاً كان يتقلّد منصب وزير إتحادي ، تتم إقالته منه ، ويرضى بأن يعمل بما دونه كمعتمد في محلية مثلا ! ، وكأن تجد آخر في وظيفة نائب للرئيس يرضى بأن تُوجد له وظيفة هامشية كمستشار مثلا ! ، وهي كما معلوم، وظيفة مجاملات ليس إلّا ، خاصةً إذا كان في الوزارة الواحدة عشرات المستشارين !.
تابَعَ الشعب السوداني يوم الأثنين 5 ديسمبر، من القصر الجمهوري، الإعلان عن الإتفاق السياسي ، بعد أربعة أعوام من الشد والجذب، والصراع السياسي والمشاكسات ، والتي لم تنته حتى كتابة هذه الأسطر ، ولن تنتهي ، والذي قال موقعوه أنّ الباب مفتوح لمن أراد التفاوض . وكأنهم موقنون بأن قطاره لن يتحرك مالم يشحن معه كل السحنات السودانية ، هذا الإتفاق الذي ألزم المكوِّن العسكري بالتنحي عن السلطة، ومعلوم أنّ هذا المكوِّن كان يمثل أعلى سلطة في البلد ، هي المجلس السيادي . ومن الكرامة والشهامة وعزة النفس ، أن يتنحّي هؤلاء العسكريين عن أي وظيفة في الدولة ، بحكم أنهم كانوا في قمة قيادة البلد ، ومن الأدب والإنضباط العسكري والوظيفي والسياسي ، ألّا يرضوا بأن يعملوا تحت من كانوا يأتمرون إليهم بالأمس وينفذون توجيهاتهم ! ، ومن الذوق والإنسانية وعدم الأنانيّة ألّا يخنقون الهيكل الوظيفي لمن هم دونهم من القادة الضباط ، وهل حواء السودانية “عقرت” لدرجة يعود الرئيس ضابط ؟! ، فالتدرج في الرتب له حواجز زمنية معلومة ، وكذلك عامل السن التي يحكمها المعاش ، فليس مفهموم الجيش للثكنات ، أن يرجع “البرهان” و”حميدتي” وأعضاء المجلس العسكري إلى قواعدهم وثكناتهم ! ، إذ أنّ المنطق والواقع لا يقبل ذلك ، فعلي جميع المكون العسكري أن يتقدموا باستقالاتهم من اليوم ، حتى يتيحوا المجال لقيادات جديدة ودماء حارّة، بالصعود واستلام زمام قيادة القوات المسلحة والدعم السريع ، وحرام أن يتم خنق الهيكل الوظيفي ، ويصير اللواء في هذه الرتبة أكثر من سبعة سنوات ! ، بسبب عدم تنحي هؤلاء الكهول الذي ذاقوا حلاوة السلطة وشهوتها ، وإن كانت مازالت لهم رغبة في السلطة فعليهم الإنخراط في أي أحزاب سياسية يختارونها لاعتلاء صهوة جوادها من باب صناديق الإقتراع . ولو سلمنا أنّ هذا المجلس العسكري رضي بأن “يعمل خطوة للخلف مارش”!، وعاد للثكنات حسب مفهومه ،واستلم قيادة القوات، ما الضمان بأن يأتي رئيس مجلس سيادي مدني، أو مجلس وزراء مدني ، ويصدر قراراً بإحالتهم جميعاً ، وترقية من هم دونهم وتصعيدهم لهيئة القيادة ؟! ، ويكونوا بذلك قد تمت إحالتهم دون رضائهم ! ، حينها سيشعرون ولأول مرّة بمدى مرارة وقساوة كلمة “شالوهو”!!.
لذلك المطلوب ، وليكمل المجلس العسكري جميله، بأنه فعلاً تنازل عن السلطة للمدنيين ، علي رئيسه ونائبه وأعضائه أن يتقدموا باستقالاتهم اليوم من المجلس السيادي ومن القوات المسلحة والدعم السريع ، وتسليم خلفهم ، هذا إن كانوا جادّين في التنحي عن السلطة ! .
وذات النهج ينطبق على المدنيين ، الذين يرفضون الإتفاق الإطاري من السادة المسئولين داخل الحكومة الإنتقالية ويجلسون على كراسيها ويعيشون في نعيمها، ويصرفون مرتباتها ومخصصاتها ! ، فعليهم تقديم إستقالاتهم من الحكومة الحالية ، وعدم المشاركة في القادمة ، والمثل السوداني يقول : “ركّاب سرجين وقّاع”، فإمّا أن ينخرطوا مع إخوانهم وإكمال الفترة الإنتقالية ، أو تقديم إستقالاتهم ، قبل أن يصدر التغيير الذي حتماً لن يشملهم ، طالما أنهم اختاروا موقع المعارضة الداخلية، وليرتبوا صفوف مكوناتهم السياسية للإستعداد للإنتخابات ، ودخول السلطة من أوسع أبوابها عبر الإنتخاب الحُر .

آخر السطور :

من أدب السلطة، وأنت داخل السلطة، ألّا تنقد من معك داخل السلطة، إلّا داخل قاعة إجتماعات السلطة ، وإلّا فعليك مغادرة السلطة.

وكان الله يحب المحسنين.

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
7ديسمبر 2022

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى