مقالات

د. الصادق الهادي المهدي يكتب: في ذكرى معركة ابو طليح*

في مثل هذا اليوم ١٧ يناير ١٨٨٥م وقعت معركة ابو طليح بين قوات الثورة المهدية والقوات البريطانيه الغازية. كانت القوى المهدوية الوطنيه بقيادة الامير موسى ود حلو وأمراء رايات الجعليين كالامير الحاج علي ود سعد والشيخ الامير محمد الخير ومحمود العجمي وودبوره.

في المقابل كان جيش الغزاة قد جهز تجهيزا جيدًا واوكلت قيادته للضابط هربرت ستيوارت والجنرال اي كي برنابى. وحدد هدف الحملة في تعطيل جيش الانصار من تحرير الخرطوم والحؤول دون وقوع الحاكم الانجليزي غردون باشا في قبضة الأنصار. وكانت الحملة صدى لغضبة سيطرت على تفكير الملكة فيكتوريا مثلما رفعت من درجة التوتر والضغط الشعبي على حكومة الديمقراطيين الاحرار برئاسة غلادستون.
لهذا أطلق على الحملة بحملة إنقاذ غوردون كما تكرر ذلك ادبيات تاريخ السودان. كان غوردون ابن الامبراطورية البريطانية المدلل بحق وحقيقة. وكان في نظر الشعوب المستضعفة جزارًا قاهرًا وبالذات في الصين وحيثما كلف بمهام القمع والاخضاع واستباحة الدماء.
ابو طليح حيث موقع المعركة، عبارة عن منطقة آبار مياه . وكانت ترد إليها القوافل العابرة لصحراء بيوضة. تبعد ابو طليح عن المتمه بحوالي ٣٢كلم تقريبا.
وكانت مقصد الجيش الغازي الذي عبر صحراء بيوضة بقوة قوامها ١٤ الف مجند من القوات المدربة تدريبًا جيدًا. وتضمنت صفوفها خمسمائة بحار محمولين في مراكب تسمى الحيتان ، مجهزة للقتال ومخصصة لعبور الشلالات كالتي على نهر النيل. اضافة لثلاثة الاف عنصر من افضل قوات المشاة البريطانية.
من جهته أرسل غردون اربع بواخر محروسة بمائتين وخمسين جنديا وبعض الجواسيس السودانيين. وكان هدف غردون ان ترابط هذه السفن وتنتظر الجيش الغازي في المتمة.
كانت خطة جيش الانصار اقامة كمين منظم الصفوف ومحدد المهام . كان جيشًا على معرفة دقيقة بجغرافية ابي طليح . وكانت الخطة غاية في الذكاء وفي نفس الوقت سهلة التطبيق. وملخصها ما ان تشارف القوات الغازية آبار ابو طليح حتى تفاجئها قوات الانصار بالخروج من الخنادق والوديان فشتت شمل مربعات الحملة. وهو ما حدث . وفي لمحة من بصر رفع قائد الحملة الأمير موسى ود حلو رايته الخضراء في قلب مربع الجيش الغازي. ومن هول المفاجأة لم يستطع الغزاة لملمة فلولهم. وهو موقف خلده الشاعر الإنجليزي كيبلنج في قصيدته (الأشعث المغوار) . ولكن عاود الانجليز الهجوم بعد لملمة الصفوف، ودارت معركة أبيدت فيها الفرق ذات التدريب العال وقتل قادة الحملة وهرب قائد فرقة المدفعية البريطاني الكلونيل بسفورد. وعندما حاول الجنرال ستيوارت لعق جراحه والزحف نحو المتمه ، كمن له النور عنقرة في ابوكرو شمال المتمة. وتم القضاء على الجنرال ستيوارت ، وجزء كبير من فرقته ، ودفن بالقرب من آبار جقدول.
ولكي ينجو ما تبقى من الغزاة اطلقوا نيران اسلحتهم وتحت دخانها الكثيف تمكنوا من الهرب. وبسبب التفوق الناري واصلت الحملة طريقها الى الخرطوم ووصلته يوم ٢٨-١-١٨٨٥ . ولكنها وجدت رايات الامام المهدي ترفرف فوق السارية معلنة تحرير الخرطوم. ومعلنة هزيمة قوات غوردون رمز الاستعمار وأيقونة تدمير امال الشعوب في التحرير والاستقلال.

استشهد في معركة ابو طليح عدد من قادة الانصار العظماء منهم الامير موسى ود حلو مثلما أصيب الامير الحاج عبد الله ود سعد. ولقد جسدت هذه المعركة وحدة اهل السودان وأكدت التصميم على التحرير والانعتاق. ان معركة ابو طليح كانت المدخل لتحرير الإرادة ولتجريع الغزاة كاس الهزيمة المر، مهما تكن التضحيات وتفوق الأسلحة التي يستخدمها الغزاة. لقد فتحت معركة ابو طليح الباب واسعا لاستقلال السودان وإعلانه دولة حرة يحكمها ابناءها في زمن لم تكن هناك دولة إسلامية او عربية تمتع بالاستقلال. واستمر السودان حرا الى ان غزته جيوش إنجلترا والخديويين مرة اخرى في سبتمبر ١٨٩٩م.
فسلام على شهداء ابو طليح ورضى الله عن سلفنا والعهد منا للسلف أننا في الدرب حتى نلقى الله.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى