مقالات

*دوافع ارتكاب الجرائم الإلكترونية.. بقلم المهندس اسماعيل بابكر

الدافع (الباعث) الغرض ، الغاية تعبيرات لكل منها دلالته الاصطلاحية في القانون الجنائي، تتصل بما يعرف بالقصد الخاص في الجريمة ، وهي مسألة تثير جدلا فقهيا وقضائيا واسعا، ذلك أن “القاعدة القضائية تقرر أن الباعث ليس من عناصر القصد الجرمي” وان الباعث “لا اثر له في وجود القصد الجنائي” واذا كان الاستخدام العادي للتعبيرات المشار اليها يجري على أساس ترادفها في الغالب ، فانها من حيث الدلالة تتمايز وينتج عن تمايزها آثار قانونية على درجة كبيرة من الأهمية. فالباعث (الدافع) هو “العامل المحرك للارادة الذي يوجه السلوك الاجرامي كالمحبة والشفقة والبغضاء والانتقام” وهو اذن قوة نفسية تدفع الارادة الى الاتجاه نحو ارتكاب الجريمة ابتغاء تحقيق غاية معينة وهو “يختلف من جريمة الى أخرى، تبعا لاختلاف النــــــاس من حيث السن والجنس ودرجة التعليم وغير ذلك مــــن المؤثرات كما يختلــــف بالنسبــــة للجريمة الواحدة من شخـــــص لآخر”
أما الغرض، “فهو الهدف الفوري المباشر للسلوك الاجرامي ويتمثل بتحقيق النتيجة التي انصرف اليها القصد الجنائي أو الاعتداء على الحق الذي يحميه قانون العقوبات وأما الغاية، “فهي الهدف البعيد الذي يرمي اليه الجاني بارتكاب الجريمة كاشباع شهوة الانتقام أو سلب مال المجني عليه في جريمة القتل
والأصل أن الباعث والغاية ليس لهما أثر قانوني في وجود القصد الجنائي الذي يقوم على عنصرين ، علم الجاني بعناصر الجريمة ، واتجاه ارادته الى تحقيق هذه العناصر أوالى قبولها. ولا تأثير للباعث أوالغاية “على قيام الجريمة أو العقاب عليها، فالجريمة تقوم بتحقق عناصرها سواء كان الباعث نبيلا أو رذيلا وسواء كانت الغاية شريفة أو دنيئة. واذا كانت القاعدة أن الباعث أو الغاية لا أثر لهما على قيام الجريمة، فان القانون يسبغ عليهما في بعض الأحيان أهمية قانونية خاصة”
وبالنسبة للجرائم الإلكترونية والانترنت فثمة دوافع عديدية تحرك الجناة لارتكاب افعال الاعتداء المختلفة المنضوية تحت هذا المفهوم ، ويمكننا من خلال الحالات التطبيقية تبين الدوافع الرئيسة التالية
أولا: السعي الى تحقيق الكسب المالي:
يعد هذا الدافع (والذي يمثل في الحقيقة غاية الفاعل) من بين أكثر الدوافع تحريكا للجناة لاقتراف الجرائم الإلكترونية ، ذلك أن خصائص هذه الجرائم وحجم الربح الكبير الممكن تحقيقه من بعضها، خاصة غش الحاسوب أو الاحتيال المرتبط بالحاسوب يتيح تعزيز هذا الدافع.
ومنذ بدايات الظاهرة ، فان الدراسات اشارت الى ان المحرك الرئيسي لانشطة احتيال الحاسوب، وفيما بعد احتيال الانترنت ، هو تحقيق الكسب المالي ، ففي دراسة قديمة عرض لها الفقيه Parker يظهر أن 43% من حالات الغش المرتبط بالحاسوب المعلن عنها قد بوشرت من أجل اختلاس المال، وهي النسبة الأعلى من بين النسب التي حققتها جرائم أخرى في هذه الدراسة (32% سرقة معلومات 19% أفعال إتلاف 15% سرقة وقت الحاسوب (الآلة) لأغراض شخصية).
واذا ما انتقلنا للدراسات الحديثة ، فسنجد ان هذا الدافع يسود على غيره ويعكس استمرار اتجاه مجرمي التقنية الى السعي لتحقيق مكاسب مادية شخصية . وفي مقدمة هذه الدراسات المسحية والتقارير الاحصائية الدراسات والتقارير الصادرة عن مركز احتيال المعلومات الوطني في الولايات المتحدة الامريكية NFIC .

ثانيا : الانتقام من صاحب العمل والحاق الضرر به :
أن العاملين في قطاع التقنية أو المستخدمين لها في نطاق قطاعات العمل الأخرى، يتعرضون على نحو كبير لضغوطات نفسية ناجمة عن ضغط العمل والمشكلات المالية ومن طبيعة علاقات العمل المنفرة في حالات معينة، هذه الأمور قد تدفع الى النزعة نحو تحقيق الربح كما اسلفنا، لكنها في حالات كثيرة ، مثلت قوة محركة لبعض العاملين لارتكاب جرائم الحاسوب، باعثها الانتقام من المنشأة أو رب العمل ، وسنجد في معرض تناولنا لجرائم الحاسوب، وتحديدا جرائم إتلاف البيانات، والبرامج ، أمثلة كثيرة كان دافع الجناة فيها اشباع الرغبة بالانتقام. وربما تحتل انشطة زرع الفيروسات في نظم الحاسوبالنشاط الرئيس والتكنيك الغالب للفئة التي تمثل الاحقاد على رب العمل الدافع المحرك لارتكاب الجريمة .
ثالثا: الرغبة في قهر النظام والتفوق على تعقيد وسائل التقنية :
يرى البعض “ان الدافع الى ارتكاب الجرائم في الطائفة الأولى (جرائم الحاسوب) يغلب عليه الرغبة في قهر النظام أكثـــــر من شهوة الحصول على الربح” ومع أن الدراسات لا تظهر هذه الحقيقة على اطلاقها، اذ يظهر السعي الى تحقيق الربح دافعا أكثر تحريكا لجرائم الحاسوب من الرغبة في قهر النظام الا أن الدافع الأخيـــر، يتجســـــد في نسبــــــة معتبـــرة من جرائم الحاسوب خاصة ما يعرف بأنشطة المتطفلين الدخيلين على النظام والمتجسدة في جرائم التوصل مع أنظمة الحاسوب – تحديدا عن بعد – والاستخدام غير المصرح به لنظام الحاسوب ، واختراق مواقع الانترنت
ويميل مرتكبو هذه الجرائم “الى اظهار تفوقهم ومستوى ارتقاء براعتهم، لدرجة أنه ازاء ظهور أي تقنية مستحدثة فان مرتكبي هذه الجرائم لديهم (شغف الآلة) يحاولوا ايجاد، وغالبا ما يجدون، الوسيلة الى تحطيمها (والأصوب التفوق عليها) . ويتزايد شيوع هذا الدافع لدى فئة صغار السن من مرتكبي جرائم الحاسوب، الذين يمضون وقتا طويلا أمام حواسيبهم الشخصية في محاولة لكسر حواجز الأمن لأنظمة الحواسيب وشبكات المعلومات، ولاظهار تفوقهم على وسائل التقنية، وقد تناولنا أمثلة عديدة من هذه الحالات الواقعية فيما سبق ، ونكتفي بالقول هنا ، ان هذا الدافع هو اكثر الدوافع التي يجري استغلالها من قبل المنظمات الجرمية ( مجموعات الجريمة المنظمة ) لجهة استدراج محترفي الاختراق الى قبول المشاركة في انشطة اعتداء معقدة او استئجارهم للقيام بالجريمة .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى