أعمدة

بُعْدٌ .. و .. مسَافَة .. *مصطفى ابوالعزائم.. *نعم للدولة المدنية ..دولة المؤسّسات ..

ليس هناك من يرفض الدولة المدنية في عصرنا الحديث والحاضر ، لقد ثبت بالتجربة أهمية الديمقراطية ، وإنتهى عهد التحكّم في مصائر الشعوب ، من خلال الأنظمة الإستبدادية ، مهما كانت ، فقد إنتهى عهد الديكتاتوريات العسكرية والمدنية ، ليبقى الشعار السائد هو الحكم الديمقراطي ، والذي هو حكم الشعب للشعب ، وبالشعب ، والشعوب تدير دولها عن طريق التفويض والإنتخاب ، لتحكم الأحزاب ذات الأغلبية ، والتي تعبّر عن غالب الشّعب .
ولكن هل هذا يعني غياب قوى الدولة الأخرى عن المشهد (؟) .. قطعاً لا ؛ إذ إن هناك عدّة مبادئ يجب أن تتوفّر في الدولة المدنية ، وذلك من خلال توفّر أهم مكوّنات الدولة ، والتي هي كما يعرّفها علماء المجتمع والسياسة ، تتمثّل في الإقليم ، والحكومة السّيادة ، والإستمرارية السّياسيّة التي لن تكون دون دستور تحترمه كل مؤسسات الدولة ، وتعمل على صونه وحمايته ، وأول هذه المؤسّسات الجيش .
تجربتنا السّياسيّة في السّودان تؤكّد على أن بعض السّاسةِ يلجأون إلى القوات المسلحة ، عندما يرون إن البلاد تسير نحو منزلق خطير ، والمنزلقات كثيرة ، منها ما هو سياسيّ ، ومنها ما هو أمني ، .ومنها ما هو إقتصادي ، أو إجتماعي ،لذلك عندما حدثت الخلافات الحزبية في أول حكومة عقب إستقلال السّودان ، وحدثت المواجهات بين الحزبين الكبيرين وقتها ، الوطني الإتحادي ، والأمة ، وقرر الإتحاديون الذين كانوا يعارضون حكومة سكرتير حزب الأمة الأميرالاي عبدالله خليل ، قرروا سحب الثقة من حكومته في جلسة البرلمان التي تنعقد في السابع عشر من نوفمبر 1958 م ، لم يجد الأميرالاي عبدالله خليل بدّاً من اللجوء إلى حاضنته الأولى ،وهي الجيش السّوداني ، ويطلب من الفريق إبراهيم عبود إستلام السلطة ، وقد كان إلى أن إنفجرت ثورة أكتوبر في العام 1964 م ، ليعود الحكم إلى المدنيين بعد فترة حكم إنتقالي قصيرة ، وبسبب الصراعات السّياسيّة وتطلعات بعض الأحزاب للسلطة التي ما كان لها أن تصل إليها عن طريق صناديق الإقتراع ، تم الإنقلاب على النظام المدني ، لتأتي حكومة جديدة عبر إنقلاب عسكري في الخامس والعشرين من مايو عام 1969 م مدعوماً من الحزب الشيوعي السّوداني ، والقوميين العرب وبعض قوى اليسار في ذلك الوقت ، وقد تقلب النظام ما بين يسار ويمين ، وفشل سياسيا آخر الأمر ليسقط مثل الثمرة الناضجة بعد ثورة شعبية أطاحت به ، ولم يكن للثورة الشعبية أن تنجح لولا إنحياز الجيش لها .
جاءت فترة إنتقالية قصيرة جرت بعدها إنتخابات جاءت بذات القوى القديمة ، وبذات أزماتها وصراعاتها ، لتدخل الحركة الإسلامية الى قصر الحكم عن طريق إنقلاب الثلاثين من يونيو عام 1989 م ، وإنحازت قطاعات شعبية كبيرة للنظام الجديد بعد أن عرف النّاس إن الصراع على السلطة لن يقود إلّا إلى المزيد من التشرزم ، خاصة وإن البلاد كانت تواجه تمرداً عسكرياً في جنوب السّودان منذ ما قبل الإستقلال بزعم أن الشمال يريد أن يفرض الدين الإسلامي والثقافة العربية هناك .
لم يجد النظام الجديد وقتها مساندةالتنمية من العالم الغربي الذي كان يتوجس من الإسلام ، ومن الأنظمة الإسلامية خاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية وكيف وقفت لتتحدى كل طروحات الغرب .
إنفجرت الأوضاع الداخلية في السّودان في ديسمبر من العام 2018 م ولم يجد الثوار بدّا من اللجوء إلى القوات المسلحة ، التي انحازت لثورة الشّباب ، ليجيء دور الإنتهازيين من السّاسةِ الذين كانوا يوقنون بأنه لن تنجح ثورة قط في السّودان إذا لم تجد السند والعضد من القوات المسلحة ، وحاولوا أن يلعبوا دور البطولة وتبنّي مواقف بإسم الثوار ، وما هي مواقف الثوار ،لكنهم في حقيقة الأمر كانوا يريدون إستغلال الشارع وصولاً لمقاعد الحكم ، دون إستحقاق شرعي ، أي دون تفويض عن طريق الإنتخابات .
نريد أن نخلص إلى إن بعض السّاسةِ يتباكون على الديمقراطية ، ويسيئون للقوات المسلحة السودانية بمزاعم هم أول من يعرف أنها غير حقيقية ، لا لشيء إلّا للوصول إلى مقاعد الحكم .
ظلت الثورات الشعبية السّودانيّة محمية دائماً بالجيش السوداني ، ودونكم التجارب السّياسيّة منذ الإستقلال ، لذلك نطالب الجميع بأن يتجهوا نحو مائدة مستديرة يتراضى عليها الجميع ، فكل الشعب السّوداني مع مدنية الدولة ، المدنيّة القائمة على المؤسّسات والجيش أولها لأنه يحمي الدولة والدستور والوطن .

Email: sagraljidyan@gmail.com

،

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى