أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بعد.. ومسافة) .. أزهار جديدة مطلوبة في حديقة الحرية..!

ماذا يعني صدور صحيفة جديدة في أي مجتمع ..؟ من المؤكّد أنه يعني محاولة جديدة للتعبير أو التغيير مثلما يعني أنه إضافة رئة جديدة يتنفس بها المجتمع ، ويعني وجود ناصح (متطوّع) للحكومة وللمواطن على حد السواء ، لأن الصحافة في أعظم وأفخم تعريفاتها هي التعبير عن حركة المجتمع سواء كانت تلك الحركة سالبة أم كانت في الإتجاه الصحيح .. طبعاً هذا غير تعريفات أخرى بينها أن الصحافة رائدة للتغيير وقائدة له في 1مجتمعاتها بما تطرحه من آراء تحاكم بها الواقع الراهن، وغير ذلك من تعريفات.
استقبلت الخرطوم خلال العقود الماضية ، عشرات الصحف بمختلف تخصصاتها ، وهي تجربة تستحق أن نشيد بها رغم تراجع هذه الصّحف أو توقف بعضها ، وذلك لسببين رئيسيين الأول هو حالة الإحباط التي يحاول البعض بثها أمام كل صاحب رغبة في خوض تجربة إصدار الصحف ، ثم تخويف الفرد أو المجموعة من أن التجربة ستكون مريرة وقاسية في ظل تراجع عام لقراءة الصحف الورقية.
أما السبب الثاني للإشادة فهي روح التحدّي لدى أصحاب الفكرة في الصدور ، وهم يرون أن بلادنا في حاجة حقيقية لصدور صحف جديدة ليس بالضرورة أن تكون نسخاً مكررة من التجارب السابقة ، صحف تعبر عن آراء ناشريها وهم يحملون شعار التجديد مع التجويد ، ولعمري إنها تجربة تستحق الإهتمام والمتابعة والدراسة، لإستخلاص نتائج آنية أو مستقبلية عن تلك التجارب.
طبعاً هناك سبب آخر ومهم، وهو تشغيل عدد كبير من الصحفيّين المحترفين الذين تستقبل السّاحة الصحفيّة كل عام المئات منهم ، من خريجي كليات الإعلام أو الكليات الأخرى ممن يجتاوزون إمتحان نيل السجل الصحفي ، وقد سبق لنا ولغيرنا أن كتبنا عدة مرات عن عدم التناسب بين أعداد الخريجين وسوق العمل ، حيث لم تعد هناك جامعة لا تضم من بين كلياتها كلية للإعلام أو الصحافة.
موقف الحكومات واضح حول تعدّد الصحف ، بعضها أراد الدمج وتكوين شركات مساهمة عامة ، مثلما أرادت حكومة الإنقاذ السابقة ، وبعضها يريدها صحافة تنشغل بكل شيئ ، عدا الشأن السياسي ، والناشرون وأهل الصحافة لا يريدون ذلك ، بل يعتقد الكثير منهم أن الحكومات لا تريد صحافة حرة بمعنى الكلمة ، بل تريد صحافة تأتمر بأمرها لا تخالف ولا تخرج عن الخط المرسوم لها !
كل ما سبق يمكن أن يتم التداول حوله ويمكن أن تتم مناقشته من خلال ورش العمل حول سياسات الدولة والقوانين المنظمة للمهنة ، ونحن نرتب لذلك في المركز العربي الإفريقي للبحوث والخدمات الصحفية ، خلال الأسابيع القليلة المقبلة إن شاء الله تعالى ، لكن أن يتمسك البعض أو ينادي بأن الصحافة الورقية إلى تراجع فذلك نصف حقيقي لأن الكثير من دول العالم الثالث– وبلادنا من بينها– ما زالت في حاجة إلى الصحافة الورقية ، ولو إلى حين ، وهذا الحين يختلف من دولة إلى أخرى.. لكن الذي يستوقف حقاً ويصبح حجّة أمام القائلين إن الصحافة الورقية إلى زوال ، هو أن كثيراً من الدول المتقدمة ما زالت الصحافة الورقية تمثل جزءاً مهماً من منظومتها الإعلامية ، وربما كان التغيير الملحوظ هو إقتران الصحف الورقية التقليدية الذائعة الصيت في الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول أوروبا إقترانها بالنسخة الإلكترونية التي تشكل هي نفسها صحيفة حقيقية ، ولكن في قالب عصري ، ترتبط بكل أنواع الوسائط وتقدّم الأخبار والتعليقات والتحقيقات بصورة متجددة ، بل إن بعضها إتجه إلى تقديم خدمة البث المباشر للقاءات والمؤتمرات المصيرية والكبرى.
أما الذي يطمئن الناشرين ، أو ناشري تلك التي صدرت أو التي ستصدر مستقبلاً خلال العشر سنوات القادمة ، فهو صدور صحيفة بريطانية جديدة للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً حتى بعد أن إتخذت صحيفة (الإندبندت) قراراً بوأد نسختها الورقية للأبد.
لقد صدرت في (لندن) صحيفة جديدة قبل فترة قصيرة تحمل اسم (اليوم الجديد) – New Day – منذ نحو ثلاثة أعوام عن مجموعة (ترينتي ميرور) التي تصدر عنها صحيفة (مرآة اليوم) أو (ذي ديلي ميرور) الشعبية والأعلى توزيعاً في المملكة المتحدة ، التي إن لم تكن ترى خيراً في إصدار صحيفة ورقية جديدة لما فعلت ذلك وما قامت به.
الصحيفة الجديدة صدرت في (40) صفحة وتوزع من خلال (40) ألف نقطة توزيع وتباع بنصف جنيه إستراليني ، وقد أشارت الصحيفة منذ أول يوم من أيام صدورها إلى أنها ستكون مستقلة تماماً عن شقيقتها الكبرى الـ(ديلي ميرور) ، وأنها ستغطّي الأحداث المهمة ، بمهنيّة وحياديّة وتوازن ، ولا تسعى إلى فرض رأي بعينه على قارئها ، أي أنها ستعمل وفق المبدأ الأشهر في دنيا الصحافة (الخبر مقدس والرأي حر)، وهي مقولة مشهورة للملك “محمد الخامس” والد الملك “الحسن الثاني” وجد الملك المغربي الحالي الملك “محمد السادس”.
أما أطرف ما في أمر صدور هذه الصحيفة البريطانية الجديدة ، فهو ما قالت به رئيس تحريرها “أليسون فيليبس” التي عزت تراجع مبيعات الصحف إلى أن تلك الصحف لم تعد تستهوي القراء ، ولا تلبي تطلعاتهم ، لذلك
هم الآن في حاجة إلى صحافة جديدة.

Email: sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى