مقالات

مشكلة عدم دستورية حظر المؤتمر الوطني بقلم : *أمل الكردفاني*

القانون ليس لعبة، ولا يمكن أن يكون أعرجاً، فالقاعدة القانونية تتأسس على الموازنة بين الإلتزامات والحقوق بين الأطراف الذين ينظم القانون علاقتهم. ولهذا فللقانون مبادئ؛ بعضها مبادئ دستورية (عليا)، وبعضها مبادئ عدلية.
هناك خطابات مخادعة يتم سواقة الناس عبرها بالخلاء الشاسع وهي الدعوة لمؤتمر جامع (ماعدا المؤتمر الوطني)، أو الحق في الترشح ما عدا (المؤتمر الوطني)..الخ. وهذا لو حدث فسيتم إلغاؤه بالمحكمة الدستورية (بجرة قلم).
أولاً: المقصود بالمؤتمر الوطني:
هناك مشكلة أولية ستطرأ على اي قرار ضد المؤتمر الوطني، وهي: ما المقصود بالمؤتمر الوطني:
فإما المقصود به الحزب ككيان معنوي له شخصية إعتبارية.
وإما أن المقصود به الأفراد باعتبار أن الشخصية الاعتبارية ليست سوى حيلة قانونية.
ودعونا نناقش أياً من الفرضين.
١-المؤتمر الوطني كشخصية إعتباربة:
إذا كان المقصود بالمؤتمر الوطني هو الشخصية الاعتبارية، فسنواجه بعدة إشكاليات ذات طابع قانوني دستوري وأخرى عملية، المشكلة القانونية ستتمثل في أنه لا يمكن حظر حزب ما دام هذا الحزب -ومن خلال نظامه الأساسي- لم يدعُ إلى العنف أو التمييز على أساس العرق واللون، فإذا قيل بأن أفراداً منه فعلوا ذلك فسيكون الرد بسيطاً وهو أن يتم محاسبة أولئك الافراد، لأن هناك أحزاب كثيرة يمكن أن يرتكب افرادها جرائم فهل ستحاسب أحزابهم؟ بالتأكيد لا.
ومع ذلك؛
لو أن المقصود هو الشخصية الإعتبارية فقط، فهذا سيجيز لأعضاء الحزب أن ينشؤوا حزباً آخر باسم مختلف، كما فعل حزب الرفاه التركي.. وهكذا؛ فما تم إغلاق بابه سيتم فتح نافذته.
هذا طبعاً بخلاف التساؤل حول المؤتمر الشعبي؛ ولماذا لا يتم حظره، بإعتباره هو في النهاية نتاج إنقسام الحركة الإسلامية؟
في الحقيقة بعد المفاصلة (يادوب) بدأ حكم البشير، والأهم أن كل الاحزاب الحالية قد شاركت في برلمانه بل ووزاراته وانتخاباته وأخيراً الحوار الوطني. لذلك: سيكون هناك طرح سؤال كبير أمام المحكمة الدستورية وهو:
لماذا المؤتمر الوطني؟
وستفضي أي إجابة إلى تعقيد الوضع القانوني أمام المحكمة الدستورية أكثر وأكثر.
٢- الافتراض الثاني، وهو حظر الأفراد من أعضاء المؤتمر الوطني، وستقابل المحكمة الدستورية عشرات المشاكل، من ضمنها، هو أنك أولاً لا يمكن أن تحرم مواطناً من ممارسة حقوقه السياسية الدستورية بناء على ما بداخل عقله من مفاهيم وتوجهات ما دامت هذه المفاهيم لا تدعوا إلى الإرهاب أو العنف، وحتى لو كانت لديه مثل هذه المفاهيم، لا يمكننا المعاقبة عليها إلا إن خرجت إلى العلن في شكل مادي محسوس ومفهوم يعبر عن قصد الفرد.
لكن ليست هذه هي المشكلة، المشكلة الأكبر هو معيار الانتماء للمؤتمر الوطني؟
هل هو بطاقة العضوية؟
وماذا عن من كانوا مع المؤتمر واستقالوا منه أو انشقوا عنه أو فصلوا وطردوا منه؟
هل سيتم الاعتماد على الشائعات؟
هل سيتم الاعتماد على القيل والقال؟
ثم..
طوال فترة حكم البشير (وهي عشرين عاماً وليست ثلاثين عاماً)، دخل مئات الآلاف من الناس لحزبه (خوفاً أو طمعاً)، فماذا سيكون وضعهم. سنجد منهم موظفين وقيادات أهلية، وحركات مسلحة، ورجال اعمال، وسباكين ومعلمين وحرفيين، ولجان شعبية، وعساكر وشرطيين، وغيرهم ممن قد لا يقل عددهم عن ثلاثة ملايين شخص علي الاقل، فهل سيتم منعهم من الترشيح أو الترشح؟
فلنراجع انتخابات 2014م الأخيرة، سنجد أن أغلب النظارات والزعامات الأهلية في القرى والبوادي والحضر، في الشرق والغرب، رشحوا وانتخبوا باعتبارهم مؤتمر وطني؟
فهل سيتم حظر كل هؤلاء؟
وإذا كان هذا الحظر جاداً وتم بجدية شديدة، فالخطر الكامن سيطل برأسه وهو إحداث إنقسامات شعبية عارمة، في وضع تعاني فيه الدولة مسبقاً من الإنقسامات؟ اما إن لم يتم تطبيقه بجدية، فسيفضي إلى دعاوى قضائية بالآلاف، حيث سيتم تطبيقه بانتقائية تؤدي إلى حالات لا مساواة أمام القانون والمعاملة بالمثل.
هذه كلها اسئلة جادة وحقيقية ويجب طرحها على أصحاب الخطابات الشعبوية الذين يريدون سواقة الشعب كما ساقوه منذ الاستقلال ليس بالخلاء وإنما باستخفاف فرعون بقومه ليطيعوه.
وهذه معضلة كبرى، لا فكاك منها، ما دام هناك تجار وحمقى.
وسوف يهيج هؤلاء الحمقى هياجاً شديداً من مقالي هذا كما ظلوا يفعلون، ثم سيجدونه واقعاً ماثلاً امامهم بعد ذلك، بحكم من المحكمة الدستورية.
ذلك أن من تقوده العاطفة لا كم يقوده العقل،…هل يستوون؟

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى