أعمدة

جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. تصفير العداد .. إمتحان غير عسير

المقالات التي أكتبها عن العلاقات السودانية المصرية، دائما ما ينقسم القراء حولها بين مؤيد لما أطرح، وبين معترض، أو معارض، أو متحفظ، وهذا أمر طبيعي إذ أن العلاقات السودانية المصرية رغم تجذرها، ورغم مبررات تناميها، لكنها ظلت علي الدوام تمر بمنحيات صعود وهبوط، إلا أن المقال الأخير الذي كتبته تحت عنوان “مصر والسودان.. ورمضان كمان” وجد تأييدا منقطع النظير، لا سيما الفكرة التي طرحتها تحت مسمي “تصفير العداد” وهي خاصة بالسودانيين المتواجدين الآن في مصر، وقد تجاوزوا فترة الستة شهور التي تمنح إقامة لكل داخل إلى الأراضي المصرية، وصاروا محاصرين ومحصورين فيها بسبب الغرامات التي تراكمت عليهم، فدعوتي لتصفير العداد تقوم فكرتها علي اعتبار كل سوداني موجود في مصر الآن قد دخل إلى أراضيها اليوم، ويكون بذلك مستحقا لإقامة ستة شهور، وهي مدة كافية لمن أراد أن يوفق أوضاعه، أو للذين يرغبون في العودة إلى السودان ولكنهم يعجزون عن سداد الغرامات التي تحول دون عودتهم إلى بلدهم.
هذه الفكرة وقف معها أصحاب الهوي المصري من السودانيين، ووقف معها أيضا الذين لا يعشقون مصر، ولقد كان السفير السودانى في مصر السفير محمد الياس الأكثر سعادة بها، وهو أكثر من يواجه بمشكلة هؤلاء المتخلفين من السودانيين الذين يطرق كثيرون منهم أبوابه، وليس أمامه شئ يمكن فعله.
أعرف أن المؤسسية الراسخة والعتيقة في مصر تبطئ كثيرا من اتخاذ القرارات الحكومية، إلا أن يأتي ذلك من سلطات عليا لا أظنها تتاح لمن هو دون السيد الرئيس، ولقد عايشنا في سبعينيات القرن الماضي حالة مشابهة، فلما وقع الرئيس الراحل محمد أنور السادات إتفاق السلام مع إسرائيل، كان الرئيس السوداني الراحل المشير جعفر محمد نميري في جولة عربية، ولم تكن مصر ضمن الدول الموضوعة في خارطة الزيارة، ولما سئل في الكويت عن زيارة مصر، قال إنها ليست في برنامجه، فكتب احد الصحفيين أن نميري قال إن رجله لن تطأ أرض مصر، فغضبت الحكومة المصرية غضبا شديدا، وطالبت الطلاب السودانيين الذين يدرسون في جامعاتها سداد رسوم المغتربين وكانت أربعة الآف جنيه استرليني، وكنا ندفع قبلها نحو عشرة جنيهات فقط شاملة قيمة الكتب مثل المصريين تماما، ورغم أن الرئيس نميري وضح حقيقة موقفه بعد ذلك، ورغم أن السودان صار من أكثر الدول الواقفة مع مصر، إلا أن قرار سداد الطلاب السودانيين رسوم المغتربين ظل باقيا، ويحتاج الاستثناء للتجديد كل عام، وأذكر أن صديقنا جعفر محمد حسين المقيم في مصر منذ نحو أربعة عقود من الزمان متواصلات يعمل في التجارة والاستيراد، تحدث مرة مع وزير الزراعة المصري الأسبق والاشهر الدكتور يوسف والي عن منع دخول الذرة السودانية إلى مصر، فلما سأل دكتور والي الموظف المختص عن صحة ذلك، قال له الموظف أنه يوجد مرسوم خديوي يمنع ذلك.
لا أود أن أكون مثل كثيرين اعتبروا مسألة تصفير العداد امتحانا لرغبة مصر، وجديتها في تمهيد الطريق نحو علاقة تكاملية قوية، يمكن أن تكون خطوة لما بعدها، لكنني أعتقد أن تصفير العداد أقل ما يمكن أن تقدمه مصر للسودانيين الذين يعانون الآن في مصر بسبب كسر الإقامة، وحتى لو اعتبرناها امتحانا، فهو إمتحان غير عسير، ولن تخسر فيه مصر أكثر من بعض جنيهات كان من الممكن أن تدخل خزينة الدولة من تلك الغرامات، وهي مهما بلغت، فلن تساوي شيئآ أمام بحور المحبة والرضا التي يمكن أن تجري في وادي النيل بسبب هذا القرار الذي ينتظره جموع من السودانيين في مصر والسودان علي حد سواء.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى