أعمدة

دلالة المصطلح .. وقيع الله حمودة شطة . رسالة إلي وزيري الصحة الإتحادي والولائي،

هل ضاعت إنسانية الطب في حلفا ٤؟

يجمع الناس خاصتهم في الحقل الصحي، وعامتهم في الرأي العام الرسمي والشعبي أن مهنة الطب مهنة إنسانية محضة، قبل أن تكون مصدراً للرزق والعمل مثلها وسائر المهن والحرف، وذلك لاتصالها العضوي بحياة الناس، وكرامة الإنسان، الذي خلقه الله مكرما بعقله وأصله البشري الآدمي ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا)، ولاتصالها بجوانب نفسية واجتماعية وتربوية وسواها ..لكن لماذا يطغي الإنسان ويتجبر ويتجاوز هذا التوجيه الإلهي الواجب؟ وهذا التجاوز هو الذي بعث مفهوم حقوق الإنسان قديماً وحديثاً، حتي صار قانوناً إنسانياً عاماً تخضع له كل الشعوب والأمم، وأصل منبعه الديانات السماوية كلها، قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع بتاريخ 10ديسمبر من عام 1948م فيما عرف بميثاق الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، والذي حوي ثلاثين مادة، أول مادة فيه تقول ( كرامة الإنسان بالمولد حرا).
هذا الرسالة موجهة عبر هذا المقال، عبر عمود(دلالة المصطلح) إلي السيدين وزير الصحة الإتحادي، ووزير الصحة بولاية كسلا، التي شهدت إنتهاك حقوق إنسانة كرمها الله تعالي- كما ذكرنا- في مجمل تكريم بني آدم الذي يشمل الجنسين، وكرمتها السنة النبوية، حينما أطلق نبينا الكريم -صلي الله عليه وسلم -نداء إنسانيا خالدا أبد الدهر ( أستوصوا بالنساء خيراً)، وأكدت قيمنا- نحن- أهل السودان هذه المبادئ والقيم بصورة عملية، حتي صارت عادة سائرة بين أهل البلاد، في حضرها وريفها وبواديها.
نشير هنا -بكامل الأسف- إلي مأساة فتاة سودانية تدعي (رماح عثمان حسين) من مواطني ولاية كسلا، محلية حلفا الجديدة، وهي (بكرة) حامل توأم، حيث جرت العادة عند أهل السودان، أن تضع (أم بكيرة) حملها الأول عند أهلها جوار أمها، أو من تقوم مقام أمها من جدة، أو خالة، وبهذا التقليد خرجت (رماح) من مدينة كسلا قاصدة مدينة حلفا الجديدة- التي عرف أهلها بالتقارب والتماسك الاجتماعي- بعد أن بدأت متابعتها الأولية بمدينة كسلا مع الإختصاصي دكتور حمزة محمد علي، ولما بلغت شهرها التاسع توجهت إلى مستشفي حلفا الجديدة التعليمي قاصدة الدكتور الإختصاصي (أ – ع)، وهناك فى المستشفي، حيث مظنة الإنسانية والأمان للمرضي، وقعت مأساة (رماح) عندما رفض الإختصاصي بالمستشفي المذكور أعلاه إستقبالها بعيادته الخاصة، التي غادر المستشفي إليها منذ الساعة التاسعة صباحاً ، بدعوي أنه لا يتعامل مع حالات الحمل للنساء الحوامل اللائي تجاوزن أربعة أشهر بعيداً عن متابعته، رغم توصية زميله دكتور حمزة محمد علي الذي كتب اسمه (أ – ع)علي غلاف ملفها (كرت المقابلة) الذي قدمت به من مدينة كسلا، ورغم إختيارأهلها له، رفض رفضاً قاطعاً، ثم ترجاه أهلها أن يوافق علي مقابلتها لداعي تجربتها الأولي، وصغر سنها، وبلوغها مدة (الولادة)، وكانت تشكي من ألام وتورم علي وجهها ورجليها، وتحمل توأم، كل هذه الأسباب الإنسانية والأخلاقية والموضوعية لم يرق لها قلب الدكتور الإختصاصي ورفض مقابلة ومتابعة حالة (رماح) في عيادته الخاصة التي خرج إليها من المستشفي الساعة التاسعة صباحاً، وفشلت كل محاولات أهلها لإقناعه بالتعامل مع هذا الظرف الإنساني الحرج، كما فشلت توصية الدكتور عادل عوض مساعد طبي تخدير، الذي طلب من الإختصاصي (أ – ع) الإهتمام بالحالة وأكد له موافقته ، ولكنه لم يفعل شيئاً تجاه رماح، وقد نال مساعد التخدير بموقفه الإنساني النبيل هذا، الرضي والإستحسان ، ولما علمت (رماح) برفض الإختصاصي (أ – ع) مقابلتها دخلت في حالة خوف وقلق شديدين أفقدها وعيها حسب رواية أهلها، فتضاعفت عليها الآلام ، مما استدعي التدخل لإنقاذها، عندما وافق الدكتور (الإنسان) السر عايس علي مقابلتها ومتابعة حالتها في عيادته الخاصة بسوق حلفا الجديدة، وقام بكل الإجراءات اللازمة في عيادته، وأصر أن تكون مجاناً نظراً لحالة الفتاة الحرجة، وقد نال هذه الموقف الإنساني النبيل رضا الأهالي، وكل من تابع حالة الفتاة (رماح) ، وقد أحاطها الدكتور (الإنسان) السر عايس، برعايته، وأبدي إستعداده التام لمقابلتها وإجراء اللازم نحوها بضمير حي وخلق كريم.
هذه القصة تمثل أزمة أخلاقية ومهنية في الحقل الطبي، الذي بدأ يتجرد من الإنسانية، والرحمة وصيحة الضمير إلا عند قليل من كثير.
وهنا وعطفا علي مأساة (رماح) نتساءل هل تقر لائحة وأخلاقيات مهنة وزارتي الصحة الإتحادية والولائية فلسفة هذا الإختصاصي المذكور؟. وهل يسمح للإختصاصي الأصيل في قسم النساء والتوليد في مستشفي تعليمي بمغادرة المستشفي أثناء الدوام الرسمي إلي عيادته أو أي جهة ما في أي وقت شاء؟. هل أتخذت إدارة مستشفي حلفا الجديدة التعليمي إجراءات إدارية إزاء هذا الإختصاصي المذكور؟ وهنا نتوجه إلي وزيري الصحة الولائي والإتحادي ماذا أنتما فاعلان إزاء مأساة (رماح)؟ ويدعو المقال إلي إجراء تحقيق في هذه المشكلة المذكورة عاجلا، ومحاسبة من تثبت مخالفته لقوانين ولوائح وزارة الصحة، وأن ترسي الوزارة مبادئ وأعراف مهنة الطب الإنسانية، ويعاد النظر في الطرق والتصرفات التي يمارسها الأطباء والإختصاصيون في عيادتهم الخاصة، لقد صارت مهنة الطب تجارة في سوق النخاسة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى