أعمدة

(تأملات) جمال عنقرة … السودان والإمارات .. بالواضح

العلاقات السودانية الإماراتية ظلت تحتفظ علي الدوام بحميمية خاصة، ولقد كان لنشأت هذه العلاقات دور كبير في ذلك، وكما هو معلوم أن السودان كان الدولة الأولي التي وقفت مع دولة الإمارات عند نشأتها الأولي في العام ١٩٧٢م، وكان للراحلين المقيمين الرئيس السوداني الأسبق المشير جعفر محمد نميري، والزعيم المؤسس للامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الدور الأعظم في ذلك، ولم تكتف الإمارات بحفظ جميل السودانيين في المساهمة في بناء دولتهم الوليدة، بل صاروا الأكثر عطاء للسودان والسودانيين، بغير من ولا أذي، بل يعتبرون ما يقدمونه للسودان والسودانيين حقا مستحقا، وليس منة ولا عطاء ولا هبة، ومثلما ظل السودانيون محل إحترام وتقدير في دولة الإمارات العربية المتحدة، ظل السودانيون يبادلون الإمارات حبا بحب، وتقديرا بتقدير، ورغم أني لم أقم في الإمارات، إلا أن كثرة اسفاري لها جعلتها تحتل مكانا عزيزا في نفسي، وقبل زيارة الإمارات كانت قد أتيحت لي فرصة التعرف علي أحد المسؤولين فيها قبل ما يقارب الأربعة عقود من الزمان، تحديدا في العام ١٩٨٤م، عندما تعرفت علي وزير الشؤون الدينية الإماراتي الشيخ صقر المري عندما جاء إلى السودان قائدا لوفد بلاده المشارك في إحتفالات السودان بمناسبة مرور عام علي تطبيق الشريعة الإسلامية، وكنت قريبا منه، ومن الوزير الكويتي الشيخ محمد ناصر الحمضان طوال أيام إقامتها في السودان، وكانا قد شاركا معي في ندوة صحفية، وامتد التواصل بيننا بعد ذلك لسنوات، رغم أن قنوات التواصل ووسائل الإتصال لم تكن علي ما هي عليه الآن، وصرت بعد ذلك أزور دولة الإمارات أكثر من مرة في العام، وشجعني علي ذلك، وجود أخي الراحل الحبيب صديق العمر الدكتور عادل عيدو جورج، وثالثنا الحبيب الفريد علي خميس، وشقيقي بابكر ريحان، وساهمت هذه الزيارات المتتابعة في تعريفي بهذه الدولة العظيمة رغم حداثة عمرها، وقلة عدد أهلها، وأكثر ما شدني فيها عبقرية القيادة التي تتجسد في لمسات الزعيم الراحل حكيم العرب، زايد الخير والبركة له الرحمة والمغفرة التي تظهر في كل مكان، وتعمقت المعرفة والصلة في السنوات الأخيرة، وتحديدا بعد مجيء السفير العزيز المحترم السيد حمد أحمد الجنيبي سفيرا لبلده في السودان، وتشاء الأقدار أن أتعرف عليه عن قرب منذ أيام وصوله الأولي للسودان عن طريق أخي وزميلي وتلميذي الحبيب عصام عباس الذي صار مستشارا إعلاميا للسفارة الإماراتية في السودان، وكان لطريقة السفير الجنيبي الودودة القائمة علي الإحترام والتقدير دور كبير في تعميق هذه الصلات وتجذيرها، وكان من حصاد ذلك في مشاركتي في مناشط عدة مشتركة، وشاركت أيضا في الفترة السابقة في المهرجان الثقافي للفجيرة مع الأستاذ الراحل القاص عيسي الحلو والروائي العزيز الدكتور أمير تاج السر، بدعوة كريمة وترتيب عالي المستوي من أخي الحبيب الفنان السيد علي مهدي نوري، كما شاركت في مهرجان دبي للطيران في رفقة منظومة الصناعات الدفاعية، وشركة صافات للطيران بدعوة من مدير صافات السابق أخي وابن أخي المهندس مستشار اللواء م ضياء الدين الخير سعد عمر.
كل هذه المقدمة، والتي كان من الممكن أن تطول أكثر من ذلك، للتأكيد علي مكانة الإمارات وحكام الإمارات عند أهل السودان جميعا، وعندي شخصيا، وحرصا علي هذه العلاقات المتجذرة الراسخة أكتب هذا المقال، بالواضح، حتى لا يصيبها أكثر مما أصابها، وليس ما تتداوله بعض وسائط الميديا وحده، ولكن أن يصل الأمر مرحلة تخرج فيها مجموعة – علي قلتها – تتظاهر أمام السفارة الإماراتية في الخرطوم، وتشعل النيران في علم البلد الذي تشتعل قلوب السودانيين له حبا، فذلك أمر يدعو إلى التوقف، والتأمل، ومواجهة الحقائق .. بالواضح.
ليس هناك ما يعيب في سعي اي دولة لتنسيق مواقفها الإقليمية والدولية مع دولة أو دول أخري، لا سيما إذا كانت بين هذه الدول وشائج قوية، ومصالح متبادلة مثل التي بين السودان والإمارات، ولكن ينبغي لأي دولة تسعي لذلك أن تستوعب طبيعة الدولة الأخري، وتقدر خصوصيتها التي قد تختلف عنها، ولعل هذا هو السبب وراء كثير مما شاب العلاقات السودانية الإماراتية، وما دمنا نتحدث بالواضح فليجدر بنا تسمية الأشياء بأسمائها.
صحيح أن حال السودان المائل في السنوات الأخيرة، وقبل سقوط نظام الإنقاذ بسنوات، فتح أبواب التدخل الإقليمية والدولية في شؤونه الداخلية، وصحيح أن ما بين السودان والإمارات يتيح لها شيئا من ذلك، ولكن ليس خافيا علي أحد، وليس منكورا من جانبهم، أن بعض التدخل الإماراتي يصل شؤون داخلية جدا يحسمها أهل السودان وحدهم، وليس لأحد غيرهم حق التدخل فيها.
ومن القضايا مثار الجدل والخلاف، العلاقة مع إسرائيل، وقبل الدخول في هذا الموضوع، فعلي المستوي الشخصي ليس لدي تحفظ مبدئي علي إقامة علاقة مع إسرائيل، ولكنها علاقة ينبغي أن تقوم علي ثوابت، وتستوعب الحالة التاريخية والنفسية للسودان وأهل السودان، وفي ذهني الآن أن جواز السفر السوداني وحده كان مكتوبا فيه “يسمح للسفر إلى كل الدول عدا إسرائيل” وفي ذهني أيضا مؤتمر الخرطوم عام ١٩٦٧م، مؤتمر اللاءات الأربع، وهذا بعض ما لم تستوعبه المبادرة الإماراتية لتطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية، ولم تستوعبه أيضا الحالة ” البرطمية” للتطبيع الشعبي مع إسرائيل.
ومن المبادرات الإماراتية التي لم يستوعبها السودانيون حكومة وشعبا، مبادرة الفشقة التي اضطرت الحكومة الإماراتية إلى سحبها وهي لا تزال في المهد وليدة، ولن أتحدث عن زيارة السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الأخيرة إلى الإمارات والتي دار حولها لغط كبير، ذلك أن أكثر ما اشيع عنها – ان لم يكن كله – لم يتجاوز مرحلة الإشاعات، وهذا وحده يكفي رسالة بليغة إلى الأخوة الكرام في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ليدركوا كيف يفكر السودانيون.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى