أعمدة

(تأملات) .. جمال عنقرة الإنتخابات هي الحل .. وليس التوافق السياسي

لا يزال كثيرون يتحدثون عن أن حل الأزمة السودانية يكمن في خيارين لا ثالث لهما، التوافق السياسي أو الإنتخابات، ولقد ورد علي لسان عسكريين كثر في مقدمتهم رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أنهم لن يسلموا السلطة إلا لحكومة متوافق عليها، أو حكومة تأتي عبر انتخابات عامة، وفي تقديري أن هذا القول غير دقيق، لا سيما وأنهم يعنون بالتوافق التراضي علي حكومة غير منتخبة تدير فترة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا، فلم يعد متاحا بعد كل ما جري خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر المرحلة الإنتقالية تشكيل حكومة غير منتخبة، ولم تعد هناك قوي سياسية تستطيع أن تدعي أنها تمثل الثورة أو الشعب، ويحق لها أن تحكم بإسمهم بدون تفويض انتخابي.
وقد يبدو ذلك مقبولا من بعض القوي السياسية، وقد يقول به من تبقي من الحاضنة السياسية القديمة، قوي إعلان الحرية والتغيير، سواء الذين لا يزالون يرابطون في المركزية، مجموعة الأربعة، أو الذين تمايزوا منهم، وتوالوا مع بعض الحركات المسلحة وكونوا مجموعة الميثاق الوطني، وقد يقول به آخرون يزعمون أنهم قوي الثورة الحقيقية مثل لجان المقاومة، أو يقول به من يظنون أنهم وحدهم القابضون علي جمر الثورة، ومكتوون بلهيب نيرانها أمثال واجهات الحزب الشيوعي، وبعض قبائل اليسار، وقد تقول به قوي إقليمية ودولية راعية لمسار تغيير يخرج السودان من كل عباءاته القديمة، ولكنه ليس مقبولا تماما أن يقول به عسكريون من الذين احتمي بهم الشعب الثائر، ودعاهم إلى إسقاط نظام الإنقاذ، فاستجابت لهم بعض قياداتهم، واحدثوا التغيير، ودخلوا في شراكة مع من ارتضاهم الشعب ممثلين لقوي الثورة المدنية، وكما يعلم الجميع أن الشراكة العسكرية المدنية في ثورة ديسمبر، كانت أسوأ شراكة حكم تمر علي السودان، وهي التي أوشكت أن تورد بلدنا موارد الهلاك، هذا إن لم تكن قد اوردتها بالفعل، وأسوأ ما كان في شراكة المدنيين والعسكريين هذه أنها قامت علي التشاكس، والمخاونة، ثم تحول ذلك إلى صراع عنيف استخدمت فيه كل الوسائل، الشريفة وغير الشريفة، فعلي أي شئ يتراضون بعد ذلك.
لم يعد بين كل القوي المدنية الموجودة في الساحة السياسية الآن من يستطيع الزعم بأنه يمثل الثورة أو الشعب، ولم يعد للعسكريين صلاحية حكم، بعد ذاك، وليس من حقهم فعل شئ غير قيادة البلد إلى انتخابات حرة نزيهة شفافة يسلمون بعدها الحكم إلى من يختارهم الشعب، واي محاولة للوصول إلى تفاهمات مع أي جهات لتسليم السلطة بغير انتخابات، تعتبر عطاء من لا يملك إلى من لا يستحق.
وإلى أن يحدث ذلك، تنحصر مهمة الجيش في الإشراف علي حكومة مهنيين أكفاء غير حزبيين، وقد تكون الحكومة القائمة حاليا هي الأقرب إلى ذلك نظريا لكنها تحتاج إلى مزيد من التجويد والتفعيل، ويكون ذلك ببسط أوعية الشوري لأهل الاختصاص، وفق معايير مقبولة، ومنطقية، وكنت قد أشرت في مقالات سابقة إلى أن العسكريين المشرفين علي الفترة الإنتقالية، يختارون عددا محددا من ذوي كل اختصاص من المشهود لهم بالكفاءة، وعدم الإلتزام الحزبي، وليكونوا عشرين مثلا، هؤلاء العشرون يختارون من بين أهل اختصاصهم من يرونه الأجدر بقيادة الوزارة في الفترة الإنتقالية، ثم يشكلون مجلسا استشاريا لهذا الوزير، ويكون ذلك في كل الوزارات، أما بالنسبة لحكام الولايات فتتكون كليتهم من المعتقين من الضباط الإداريين، وهؤلاء يرشحون ولاة الولايات، ويشكلون مجلسا استشاريا لوزير ديوان الحكم الإتحادي، ويتشكل في كل ولاية مجلس استشاري للوالي من اداريي الولاية المخضرمين.
وفي ذات الاثناء تكون هناك خطوات محسوسة ومدروسة، ومحسوبة لتمهيد الأجواء لقيام انتخابات في وقت يتراضي عليه العسكريون المشرفون علي المرحلة الإنتقالية، مع قيادات الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية، والاكاديميين والخبراء والباحثين، ويتفقون كذلك علي القوانين المنظمة لهذه الإنتخابات، علي آليات ضبطها والإشراف عليها ومراقبتها، ويكون ذلك كله بإشراف ومراقبة ورعاية إقليمية ودولية.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى