أعمدة

جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. شيخ الأمين.. شيخ المحبة

حرصت ليلة الجمعة الماضية والتي كانت تصادف ليلة النصف من شعبان هذا العام، نسأل الله أن يبارك لنا فيه، ويبلغنا شهر رمضان المعظم، ويعنا علي صيام نهاره، وقيام ليله، ويجعلنا من عتقائه من النار، حرصت علي توصيل دعوتي إلى الشيخ الحبيب الشيخ الأمين عمر الأمين للمشاركة في إفتتاح كافيه الملازمين العائلي، وتسليمها له يدا بيد، فلما وصلتهم في مسيدهم العامر بود البنا في أم درمان البقعة مبروكة الإله والدين، وجدتهم في حلقة ذكر وفكر بعد أن أمضوا يومهم صياما، ويتهيئون لقضاء ليلهم ذكرا وقياما.
استوقفني في أحاديث الشيخ الحبيب، والعلماء الاجلاء الذين تبادلوا معه الحديث والفكر، ثلاث محطات مهمة، وكلها تتعلق بما يثيره عن طريقتهم عموما، وعن ليلتهم تلك، وعن بعض ما يتداوله خفية وجهرا.
ولست بصدد مناقشة ما يقوله الآخرون، أو قولهم ردا عليه، ولكنها مشاهد ومواقف تراءت لي وهم يتحدثون، وقفت فيها متأملا، المحطة الأولى حول ما يعتبره المناوئون بدعة مطلقة، وهم يصنفونه بدعة حسنة، ويستندون في ذلك علي الواقعة المشهورة، والقول الماثور للخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما جمع المسلمين علي إمام واحد لصلاة التروايح، فلما رأي المصلين قد كثروا في اليوم الثالث قال “أري بدعتي راجت.. نعمة البدعة” ثم صار الشيخ الأمين يلقي الأمثلة علي جواز فعل المماثل، وتضعف معها حجج الرافضين، ومنها أمثلة يستحق أن يحمل براءة استخدامها، كأن يدعو المرء أهل خاصة ما لدفع مبلغ معين من المال يوجهونه لقضاء عمل حسن لم يسبقهم عليه أحد.
المسألة الثانية ما يعيبه المنتقدون لأهل الطريق بأنهم ليسوا من أهل العلم الغزير، ولا أهل الحفظ الكثير، ولم يجار الشيخ الأمين المنتقدين، ولم يحاول إثبات عكس ما يتهمونه به، ولكنه تساءل عن علم وحفظ صحابي، موصوف بأنه سيف الله المسلول، خالد بن الوليد الذي لم يهزم في معركة قط، ومعلوم أن خالد بن الوليد لم يتجاوز عدد الآيات التي يحفظها، أو السور، العشر بكثير، فهل نقص هذا من مقام بن الوليد شيئا، وكثيرون من اسموا ابناءهم عليه، تيمنا به، وطمعا في أن يكونوا مثله.
ومعلوم أنه ليس مطلوبا من كل المسلمين أن يكونوا فقهاء وعلماء، وتلك من الفروض الكفائية التي ان قام بها البعض، أسقط فرض وجوبها علي الآخرين، وهي ليست مثل العلوم التي لا يقوم دين المرء إلا بها، وهذه وجوبها فرض عين علي كل مسلم ومسلمة، وليس مطلوبا من الشيخ – أي شيخ – أن تركز دعوته وطريقته علي العلم دون غيره، ورغم أن الذكر لا يصح بغير علم، ولكن حياة المرء كلها لا تصح بغير إيمان وتسليم، ولو كان الذكر مدخلا للإيمان، فيصير فضله عظيما ولو كان بغير علم، وتحضرني في هذه اللحظة قصة الداعيين العظيمين لهما الشريف محمد الأمين، والشيخ عبد الباقي البرناوي، فلما قدم الشريف محمد الأمين إلى منطقة الليري في الجبال الشرقية بجنوب كردفان، وجد الشيخ عبد الباقي البرناوي يتبعه عدد كبير من أهل تلك المناطق من الذين اعتنقوا الإسلام علي يديه، ودخلوا معه في الطريقة القادرية، فوجدهم يكثرون الذكر، يقرعون الطبول، وينشدون، فقال الشريف محمد الأمين للشيخ عبد الباقي “انت الناس ديل جاي تعلمهم الإسلام ولا الرقص” فرد عليه الشيخ عبد الباقي “نحن نطحنهم ليكم دراش، وانتوا تعالوا نعموهم”
وما لا يعرفه البعيدون عن الشيخ الأمين عمر الأمين، أنه فضلا عن كثير مما ينسب له من سنن حسنة، هو أحيا سنة من أحسن سنن المسلمين، لا سيما المتصوفة، ومن المتصوفة بصفة أخص أهل السودان منهم، وهي سنة لا يعرفها الذين لم يعيشوا في أجواء التصوف الصافية النقية، إنها سنة المحبة، ولهم في ذلك قول محفوظ، “الما عنده محبة، ما عنده محبة، والعنده محبة، ما خلي الحبة” فشيخ الأمين هو شيخ المحبة بلا مقارب، وليست المحبة عنده تنحصر في ما يشيعه منها بين أحبابه ومريديه، ولا بينه وبينهم، ولكنه رجل لديه مقدرة علي بث الحب بصورة مذهلة، فكل إنسان يقترب منه، أو يتصل به مجرد الإتصال، يأتيه إحساس أن الشيخ يحبه، فلا يمتلك غير أن يبادله حبا بحب، لذلك أكاد أجزم أن كل من يضمر شيئا غير الحب للشيخ الأمين، هو لا يعرفه، وغالبا يكون لم يلتق به قط في حياته، ولقد لاحظت ذلك يوم أمس الأول السبت عندما استجاب لدعوتنا لتشريف إفتتاح كافيه الملازمين العائلي في حي الملازمين الامدرماني، فصار شيخ الأمين محور اللقاء، وبث فيه روحا من الحب سرت في أوصال الجميع، ومهما نال، وينال الشيخ الأمين عمر الأمين من ألقاب واوصاف، إلا أن الأحب إلى من كل ذلك أنه شيخ المحبة، والما عنده محبة ما عنده الحبة، وشيخ الأمين عنده كل المحبة، وما خلي الحبة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى