أعمدة

*مصطفى ابوالعزائم* يكتب في ( بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. عندما يصبح المناضل سفيراً

بالأمس سألني أحد أبنائنا من أبناء جزيرة الفيل في ” ود مدني” عن بداية معرفتي بإبن جزيرة الفيل ، السّفير الراحل الأستاذ عباس إبراهيم النور ، فرويت له هذه الرواية و التي سجلتها ضمن ما أسجل من أحداث كان لها ما بعدها في مسار تاريخ السّودان السّياسي والإجتماعي :
مع بدايات عام 1991م، جلس نفرٌ كريمٌ من أبناء السودان من أعضاء بعثته الدبلوماسية في العاصمة الليبية طرابلس ، جلسوا على الأرض فوق سجّادٍ ناعم ، داخل منزل القائد الفلسطيني الراحل فتحي عدوان ، المعروف بيننا ب ( ابو نضال ) ، في حي (بني عاشور) حيث معظم مقار السّفارات في ذلك الوقت ، وحول تلك الجلسة توزّعت أكثر من مدفأة كهربائية ، تحاول تلطيف شتاء طرابلس الثقيل ، ويتعرف عدد من المدعوين على مائدة القائد الفلسطيني لأول مرة على علاقة سفير السودان الجديد في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى الأستاذ “عباس إبراهيم النور” بصاحب الدعوة وبجماعة (أبو نضال) ، فقد كان السّفير الجديد مناضلاً قديماً ويعدّ من مؤسسي جماعة الناصريين في السّودان المنتمين للفكر القومي العربي، وكان قريباً من بعض منفّذي الانقلاب المايوي عام 1979م من القوميين العرب وفي مقدمتهم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء مولانا “بابكر عوض الله ” ، ومع تقدم النظام الجديد وتحكمه في مفاصل الدولة أصبح الأستاذ “عباس إبراهيم النور” المحامي رئيساً للدائرة القانونية ومستشاراً قانونياً لرئيس مجلس الشّعب ، لكنه وبعد المصالحة بين نظام مايو ومناوئيه من الإسلاميين والطائفيين إقترب من الأخيرين، وكان زميله في المجلس وفي مهنة القانون هو الذي جعله يقترب من تلك الدائرة ، بل ودفع به– كما ذكر لي لاحقاً– بعد انتفاضة أبريل 1985م إلى الترشح ضمن مرشحي الجبهة الإسلامية القديمة للجمعية التأسيسية في انتخابات عام 1986م، وبعد انقلاب الثلاثين من يونيو عام 1989م نجح في تقريب عدد من القوميين العرب والناصريين إلى النظام الجديد ، وطُلب في الخرطوم ليلتقي بصديقه القديم الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، ليلتقي بعد ذلك بعرّاب النظام الجديد الدكتور “حسن الترابي” ويستمع من أهل النظام بأنه مرشح لتولي أمر السفارة في ليبيا لقربه من القوميين وعلاقاته الوطيدة معهم، خاصة وأن العقيد “القذافي” كان يعيش نشوة أنه أمين القومية العربية كما قال له الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر”.
قبل ذلك إلتحق الأستاذ “عباس” بمعسكرات التدريب في ليبيا عندما كان شاباً ونشطاً في دوائر القومية العربية وإلتقى بكثير من القيادات الفلسطينية ، ونجح في إقامة علاقات ثقة عظيمة بينه وبين الكثيرين منهم.. لذلك عندما تم تعيينه سفيراً للسودان في ليبيا طلب إليّ القائد الفلسطيني “فتحي عدوان” أن أدعوه هو وأعضاء السفارة السودانية لتناول الغداء معه في منزله الكائن بحي (بني عاشور) ، حيث كان ذلك اللقاء حول “المنسف”، الذي هو أشهر الأكلات الفلسطينية ترقد فيه اللحوم على تلال من الأرز الأبيض المنكّه بأطيب البهارات .
مناسبة الدعوة كانت لتجديد الصلة ، ثم جاءت بعد أن طلب إليّ سفيرنا في طرابلس أن أعينه في توفير بعض المستلزمات والأجهزة الضرورية والمعدات وإرسالها إلى السودان شريطة أن يتم دفع قيمتها بالعملة الليبية (الدينار)، وقد طلبت مهلة حتى أجري اتصالاتي بمن يمكن أن يعين في هذه العمل بحكم عملي مديراً تجارياً لمؤسسة القدس الإعلامية الكائنة بشارع (محمد المقريف) في قلب العاصمة الليبية.
بعد تلك الجلسة وبمعاونة بعض المنظمات الفلسطينية تمكّنت سفارة السّودان من توفير الكثير من الإحتياجات الضرورية للبلاد بما توفر لها من رصيد بالعملة الليبية المحلية التي ما كان يمكن لها أن تحولها عبر الطريق الرسمي.
السفير “عباس إبراهيم النور” إقترب كثيراً من العقيد “معمر القذافي” وتمكّن من تحويله إلى حليف قوي لنظام الإنقاذ في سنواته الأولى قبل أن ينقلب عليه ، بل جعله أحد الداعمين للاقتصاد السوداني خاصة في مجال توفير النفط ومشتقاته، إلى أن غادر السفير “عباس إبراهيم النور” سفارته عام 1994م، ليعود إلى السودان ويشغل العديد من المناصب أهمها على الإطلاق وظيفته داخل القصر الرئاسي مستشاراً إعلامياً ، إلى أن تم إعفاؤه منها ليبدأ رحلة جديدة تركت غصصاً ومرارات في حلقه نتيجة ما رأى أنه إهمال متعمد من قبل النظام له، حتى رحيله عن دنيانا قبل سنوات .
اللهم ارحم عبدك “عباس” رحمة واسعة وأغفر له واعف عنه واسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى