مقالات

إضطراب الأوضاع في السودان.. الأسباب والمآلات المحتملة .. بقلم : فاطمة لقاوة

لم ينعم السودان بإستقرار كامل منذ الإستقلال ١٩٥٦م ،وقد إنعكس ذلك سِلبا على الخِدمة المدنية ،وكافة القطاعات الحيوية في الدولة السودانية،وظل السودان فاقد للمشروع الوطني الذي يمكن أن يلتف حوله الجميع.
الشعب السوداني لم يستكين للقدر الذي رُسم له بعناية فائقة ،وظهر ذلك من خلال الإنتفاضات الشعبية التي كانت وما زالت تنطلق وتنادي بأهداف سامية ينشدها الجميع ،إلا أن الساسة السودانيين -(أحزاب ،نخب،عسكريين،حركات مسلحة)- لا يمتلكون الإرادة الحقيقية التي تساعد في بناء دولة ذات مؤسسات فاعلة .
القارئ لخارطة الصراع السوداني يتفاجأ بأن لا إرادة وطنية حقيقية لدى القادة ،وأن هناك آيادي خفية تُحرك لُعبة الأحداث السودانية،ولا يُسمح لأحد بالخروج عن مسار الأحداث المرسومة بعناية فائقة،وقد كان لموت دكتور جون قرنق الغامض بعد أن أعلن ميوله لوحدة السودان خير شاهد على أن المشهد السودان يُدار بأيادي خفية لها أهدافها وأغراضها .
السودان جزء من المنظمومة العالمية التي كانت في السابق منقسمة إلى محاور متكافئة ،ولكن سرعان ما أصبحت شبه أُحادية المحور بعد الحرب العالمية الثانية وصعود أمريكا على رئاسة القيادة ،رغم القوة الصينية الصاعدة وتمترس روسيا حول تحقيق بعض المكاسب وتوفير نوعاً من الحماية لبعض الدول التي تتلاقى مصالحها معها.
بعد أحداث سبتمبر أحكمت أمريكا قبضتها على أجزاء عديدة في ما يسمى بالشرق الأوسط بحجة محاربة الإرهاب ،ثم جاءات عاصفة ما يسمى بالربيع العربي التي أمطرت الزُل والهوان والتشرد للشعوب بينما سمحت للدول الغربية بالسيطرة على معظم أحول تلك الدول.
السودان جزء من البلدان العربية والأفريقية التي تأثرت بتلك الثورات ،وقد ثار الشعب السوداني ضد أطول حُكم دكتاتوري جثم على صدره ،ولكن التغيير في السودان لم يكن بمعزل عن الآيادي الخفية التي ما زالت تُحرك المشهد – غير مهتمة بأرواح الشباب المُهدرة والتي قد تُعمق الإنقسام في الشارع السوداني – والتدخل الإقليمي والمحلي في شأن السوداني أصبح واضح المعالم ،فمن جانب تجد بريطانيا و إسرائيل وأمريكا وحلفاءهم من الدول العربية ودول الجوار الأفريقي ،ومن جانب آخر هناك تركيا وإيران وروسيا والصين ،لذلك أصبح الصراع السوداني صراع محاور إقليمية ومطامع دول الجوار مقرون بمناكفات سياسية داخلية لقيادات مسلوبة الإرادة .
منذ سقوط الانقاذ هناك مشاهد تُبين أن الإبتزاز السياسي سيد الموقف ،وما أحداث فض الإعتصام ومن بعدها الأحداث المتتالية في معظم المدن السودانية ،والإغتيالات التي تتم الآن وسط الثوار والشرطة ،ووقف عجلة العطاء والإنجاز في الفترة الانتقالية ،والسعي الجاد في تطبيق سياسة البنك الدولي دون حساب للتأثيرات الأقتصادية والمُعاناة الطاحنة التي يعيشها الشعب السوداني اليوم بسبب تلك السياسات ،وإفتعال الصراع بين مكونات الفترة الانتقالية ،و إسترخاص الأرواح السودانية والمتاجرة بدماء الضحايا ،ما هي إلا إمتثال لأوامر المتحكمين على تحريك مؤشرات الأحداث في السودان .
الوضع في السودان الآن قد بلغ أعلى حالات الإحتقان السياسي الذي قد يقود إلى حروب أهلية لن ترحم أحد.
والذين يحركون خيوط الأحداث في السودان أمام خيارين لا ثالث لهم :
أولا:الضغط على جميع الفرقاء السياسيين والعسكريين للجلوس حول طاولة التوافق والعودة إلى الشراكة بأُسس واضحة وتحديد سقف زمني للفترة الانتقالية ،وتكوين حكومة كفاءات ذات مهام محددة :(اكمال السلام -معالجة الأزمة الإقتصادية -الإعداد إلى إنتخابات رئاسية مبكرة)،ومن ثم صياغة الدستور.
ثانيا:السماح للعسكريين بإكمال الإجراءات التي اتخذها البرهان لتكون إنقلاب معترف به دوليا ،ويتم تكوين مجلس عسكري وولاة ولايات عسكريين وقائد الانقلاب يعين حكومة ،ومن ثم يتم الترتيب للانتخابات .
فإن لم تتخذ هذة الخطوات ،فإن السودان سيدخل في دوامة الحروبات الأهلية وقد نشهد تراجيدا دماء وتصفيات لن يتوقف مداها .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى