أعمدة

(تأملات) ..جمال عنقرة .. غندور .. ذكريات ومواقف

كثيرون جدا اسعدهم قرار المحكمة ببراءة البروفيسور إبراهيم غندور وكل المتهمين معه في البلاغ المفبرك الذي قضوا بسببه عامين كاملين خلف القضبان، مبدأ السعادة الأول التأكيد علي نزاهة ومهنية القضاء السوداني، ثم بعد ذلك ما يكنه سودانيون كثر لبروف غندور لما يحمله من صفات سامية، ولما يتمتع به من علاقات ممتدة مع أهل السودان جميعا بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية، ولذلك لم تقف حدود السعادة عند المتفقين مع بروف غندور فكريا وسياسيا، ولكنه امتد إلى قطاعات واسعة من الذين يشهدون له بالتميز، وليس لما بيني وبين غندور من وصل وتواصل فقط، ولكن لأنني أعرفه أكثر مما يعرفه كثيرون، وبيني وبينه ذكريات ومواقف مشتركة كثيرة، لذلك أجد نفسي أكثرهم فرحا وسعادة لهذا القرار التاريخي، وتاريخي مع غندور يؤكد أنه يمكن أن يكون الأكثر عطاء في هذه المرحلة لصالح تجاوز هذه المحنة الماثلة، والتي نرجو أن تتكاتف كل الجهود لعبورها بسلام وأمان بإذن الله تعالي.
وفي هذا المقال أذكر فقط بعض ما يتيسر من ذكريات ومواقف مع البروف تعزز بعض ما ذكرت، وكل ما كان بيني وبينه كان في شأن التوافق الوطني، ووحدة الصف السوداني، وبسط الحريات العامة، وأكثرها في رحاب الإتحاد العام لنقابات عمال السودان، هذا الكيان الذي يمثل أكبر وأقوى وأشمل وأعم كيان سوداني علي الإطلاق.
أول ما يحضرني الآن من مواقف مع إتحاد العمال وبروف غندور كان في العام ١٩٩٦م، حينما فجرت مبادرة الشريف زين العابدين الهندي للحوار الشعبي الشامل، ونظمت ندوة لدعم الحوار باسم صحيفة أخبار اليوم السودانية في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم استضفنا فيها الدكتور محمد الأمين خليفة رئيس المجلس الأعلي للسلام متحدثا رئيسا، وشارك فيها قيادات من كل أطياف السياسة السودانية، واوصت الندوة بتكوين هيئة شعبية للحوار الوطني والسلام، وتكونت الهيئة برئاسة المرحوم البروفيسور حسين سليمان أبو صالح، والدكتور عبد الله سليمان العوض امينا، وشخصي منسقا عاما، وضمت مجموعة من القيادات والرموز أذكر منهم، المرحوم تاج السر عبدون رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال السودان في ذاك الوقت، والمرحوم عز الدين السيد رئيس إتحاد أصحاب العمل، والقمص فيلوثاوس فرج، والمرحوم تاج السر محمد صالح، والمرحوم غازي سليمان، والراحل اروك طون اروك، والشيخ علي أحمد سليمان، والمرحوم البروفيسور مالك حسين، والشهيد مكي علي بلايل، والأستاذ عثمان عمر الشريف، والشهيدة ليلي المغربي، والمرحوم حسن عوض أحمد المحامي، والزملاء نور الدين مدني، ومحجوب عروة، وعادل سيد أحمد، وآخرين كثر، عقدت الهيئة اجتماعها الأول في دار أصحاب العمل، ثم قدم إتحاد العمال عرضا لاستضافة الهيئة، وكانت خير استضافة، لم تقف عند حدود تقديم كل واجبات الضيافة، ولكنها قدمت الأهم، الحماية والأمن والأمان، فكانت الجهات الأمنية ضد هذه الهيئة، وسعت إلى وقف اجتماعاتها إلا أن الإتحاد العام لنقابات عمال السودان بقيادة رئيسه تاج السر عبدون، وأمينه العام إبراهيم غندور رفضوا ذلك وتصدوا لهم بقوة، حتى أكملت الهيئة عملها، واعدت تصورها والذي ضربنا موعدين مع رئاسة الجمهورية لتسليمه للرئيس السابق، لكنهم حالوا دون ذلك، وكنت قد حددت الموعد الأول عن طريق المستشار الصحفي للرئيس الدكتور الصادق الفقيه، وحدد الموعد الثاني أبونا القمص فيلوثاوس فرج، وفي المرتين نذهب إلى القصر، ويتم إستقبالنا، واكرامنا، ثم يعتذرون لنا بأن الرئيس اتاه ظرف طارئ، وخرج.
الموقف الثاني بعد عودة السيد الصادق المهدي يرحمه الله في عملية تفلحون، اقترحت علي الأخ غندور رئيس اتحاد العمال تنظيم ندوة باسم صحيفة الوطن في دار الإتحاد عن الراهن السياسي في السودان، يشارك فيها السيد الصادق، والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، والسيد سيد أحمد الحسين الأمين العام للحزب الإتحادي الديمقراطي، والدكتور مجذوب الخليفة عن المؤتمر الوطني، فوافق بدون تردد، ونظمت الندوة وادرتها، وافتتحها بروف غندور، وتحدث فيها الصادق المهدي والترابي، وسيد أحمد الحسين، وخاطبها عبر الهاتف مجذوب الخليفة من مطار الخرطوم حيث كان مغادرا إلى خارج البلاد، ونقلتها الجزيرة مباشر، وطلب ضابط أمن من مراسل الجزيرة الأستاذ إسلام صالح، وقف البث، لكنه لم يستجب، وبعث لي إسلام بورقة الأمن، فحولتها إلى بروف غندور الذي كان يجلس بجواري، فطلب من أحد أعضاء الإتحاد أمر ضابط الأمن لمغادرة دار الإتحاد فورا، فغادرها، واستمر البث حتى نهاية الندوة، وكان ذلك آخر يوم للأستاذ إسلام صالح في مكتب الجزيرة بالخرطوم.
الموقف الثالث الذي أذكره في هذه اللحظة، أذكر في فترة إقامتي في مصر ما بين عام ٢٠٠٧م، وعام ٢٠١٠م، كنت قد فتحت قنوات تواصل حميمة مع قيادات حركة العدل والمساواة، وكان لمكتبهم في القاهرة دور كبير جدا، لا سيما الشهيد جمالي حسن جلال الدين، ومحمد شرف، وعبرهما كنت التقي كل قيادات الحركة الذين يزورون مصر، فالتقيت الأخوة أحمد آدم بخيت، وأحمد تقد لسان، وأبو بكر حامد نور، وأحمد حسين آدم، ونظمت لقاءين لهم مع مسؤولين حكوميين، الأول كان مع السفير إدريس سليمان نائب رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية في القاهرة، والدكتور كمال حسن علي حينما كان رئيسا لمكتب المؤتمر الوطني في مصر، والثاني كان علي شرف الأخ عثمان محمد يوسف كبر والي شمال دارفور في ذاك الزمان، والذي كان قد جاء إلى مصر مرافقا زوجته للعلاج، وفي كل اللقاءات كان يدور حوارنا حول حتمية الحل السلمي لقضية دارفور، وكل قضايا السودان، ولما تم اختيار بروف غندور امينا سياسيا للمؤتمر الوطني اتفقت معه علي تطوير الحوار مع حركة العدل والمساواة، وهذا ما رحب به أيضا الشهيد الدكتور خليل إبراهيم، وكما ذكرت في مقالات سابقة أن صلتي بدكتور خليل قديمة وقوية منذ أن كان طالبا في كلية الطب بجامعة الجزيرة، وكان الأبرز في الكوادر الطلابية الإسلامية، وكنت مسؤولا عن المناشط الطلابية في الحركة الإسلامية، ففوضني بروف غندور للحوار معهم، وفوضت الحركة المهندس أبو بكر حامد نور، وعكفنا أياما وليال مع الأخ أبوبكر نعد مذكرة تفاهم بين الحركة والحكومة، كان غندور يتابع تفاصيلها أولا بأول، وكذلك دكتور خليل، ولما وصلنا مرحلة الإتفاق علي كيفية توقيع مذكرة التفاهم، تدخلت قوي الظلام الحكومية الأمنية، ونسفت التفاهم من أساسه، وبعد أقل من شهرين اجتاحت قوات الحركة العاصمة السودانية، في العملية المشهورة التي عرفت باسم الذراع الطويل.
ورغم كثرة المواقف والذكريات مع الأخ البروفيسور إبراهيم أحمد غندور، لكن اختم بموقف طريف، فخلال ذات الإقامة التي أشرت لها في مصر، وفي واحدة من زيارات بروف غندور للقاهرة، ذهبت لزيارته في فندق شبرد للتفاكر في الشؤون العامة، وكان ذلك يوم سفره عائدا للخرطوم، فكنا نجلس في بهو الفندق، وكان قد طلب من مرافقه المصري إحضار طبلة، فاتي المرافق إليه حيث كنا نجلس، وأخبره أنه لم يجد مكانا في الشنطة للطبل، فطلب غندور منه إحضار الطبلة ليراها، فحضر وهو يحمل طبل ايقاع موسيقي، وغندور كان يعني طبلة قفل، فضحكنا وشرحت للمرافق، واخبرته أن البروف يريد قفل وليس طبل. وحمد الله علي السلامة اخي الحبيب بروف غندور.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى