مقالات

رُعاة المسيرية في أبيي!مقتولين صفين.. بقلم : فاطمة لقاوة

منذ الإستقلال ظلت سياسات المركز إتجاه الرُعاة في السودان يشوبها التهميش المُمنهج وعدم الإكتراث إلى قضايا الرُعاة وتلبية حاجاتهم ؛رغم أن للقطاع الرعوي إسهمات إقتصادية وإجتماعية كبيرة ،وهو القطاع الحيوي الأول الذي يُرفد الخزينة الإقتصادية بالعُملات الصعبة والضامن الأساسي لبقاء الدولة السودانية متماسكة.
والرعُاة في الحِزام الممتد من كُردفان إلى دارفور، والذي يُحازي دولة جنوب السودان الوليدة، ظلوا مُعرضين إلى الهجمات والقتل الممنهج على أساس عُنصري جهوي بغيض من قِبل الحركات المسلحة التي تدعي النضال ضد سياسات المركز التهميشية ،والمركز لم يلتزم بواجباته إتجاه الرُعاة ولم يُوفر لهم الحماية المطلوبة كمواطنين ومن واجب الدولة حماية مواطنيها ،بل طفق المركز إلى إستغلال عاطفة فِرسان تِلك القبائل ليخوضوا حروب وكالة عن الدولة بِحجة الدفاع عن المال والعِرض،مما قاد إلى خلق فجوة كبيرة بين المكونات السُكانية في تلك المناطق و أنتجت بيئة إجتماعية هشة التكوين وأصبح صراع الموارد بين الراعي والمزارع ما هو إلا ساق لجذور الخلافات السياسية العميقة المُسماه بصراع (المركز والهامش ) والذي يستغل المركز فيه كرت الحروب القبلية بين أبناء الهامش ليضربوا بعضهم بعض في حروب هي في الأساس ملهاة لإنسان تلك المناطق وإعاقة للتقدم والإزدهار الذي إذا أصبح واقع في تلك الديار الغنية بالموارد سيسحب البساط من تحت أقدام الدولة المركزية العميقة التي تُحيط بها مافيات المصالح النُخبوية المُستفيدة من تلك الحُروب المُفتعلة.
ظلت سياسات المركز التهميشية إتجاه اهلنا الرُعاة ثابتة طيلة فترات الحكومات الوطنية المتعاقبة التي جاءات خلفاً للمستعمر إلا أن حكومتي الصادق المهدي في فترة الديمقراطية الثالثة و حكومة الإنقاذ الإنقلابية !!!يتحملان العبء الأكبر من الإخفاقات والجرائم المُرتكبة بحق الرعاة والممتدة الآن لحظة كتابتي هذا المقال.
حكومة الصادق المهدي تتحمل خطأها الإستراتيجي الذي بنت عليه فِكرة التجييش الشعبي لفرسان الرُعاة تحت زريعة الخطر الداهم على الرُعاة من قبل جيوش الحركات المسلحة العنصرية -(صحيح أن فكرة التجييش أتت أُكلها لحكومة المركز وساعدت في حبس الحركات المسلحة في داخل الكراكير ،نتيجة لخطأ الحركات المسلحة التي سمحت للعُنصريين أن يتسيدوا المشهد وما زالوا قد كلف ذاك الخطأ الحركات الكثير وقلم أظافرها وساعد المركز على إحكام قبضته عليها)- لتأتي الإنقاذ وتتخذ ذات المنهج وتزيد عليه تلميعاً ليصبح وعاء جامع للكل تحت مسميات عديده ،ليتملص المركز عن واجباته إتجاه رعاياه وتم ضرب أبناء الهامش بعضهم البعض وما زالت خيوط المؤامرات تُحاك بإستمرار ويجب الإنتباه جيدا فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين وعلى أبناء الهامش الفطنين تفويت الفُرصة على تُجار الحرب من نُخب دولة المركز العميقة.
أتت الطامة الكُبرى بإنبطاح الإنقاذيين وتخليهم عن مشروعهم وهوسهم الجهادي ليبيعوا دماء الشباب الذين ماتوا في جنوب السودان بأبخس الأثمان ،ويوقعوا على برتكول نيفاشا المشؤوم ،الذي قاد إلى إنفصال دولة جنوب السودان دون ترتيبات مسبقة وأعطوا الحركة الشعبية مالم تحلم به .
الإنقاذيين قدموا أبيي كبش فداء في صفقة سياسية سُميت بمحكمة لاهاي تم من خلالها إتفاقات بين حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم وحكومة الحركة الشعبية في جوبا -صفقة أن تستفيد الخرطوم من بترول أبيي مقابل أن تذهب أرض أبيي لجوبا- دون الإلتفات إلى حقوق المسيرية التاريخية في المنطقة ،ليُترك رُعاة المسيرية يواجهون مصيراً مجهولاً وتحصدهم ليلاً ونهاراً نيرات جيوش الحركة الشعبية وتسرق وتنهب أموالهم.
سقطت الإنقاذ إلا أن سياسات المركز الإستغلالية والتهميش الممنهج للرعاة عموماً ما زال موجود وإزدواجية المعاييير في الإهتمام بالقضايا والتمييز المُفرض ممارس بوضوح ،فكم من مواكب نشاهدها تخرج تنديداً بمقتل فرد ما في المركز والمدن بينما يموت الرُعاة في رأس كل ثانية ولم نسمع بواكي عليهم،ولم يتحدث عنهم أحد في أي محفل من المحافل الرسمية والشعبية ،والأحزاب السياسية المفضوحة عودتنا على أنها لا إهتمام لها بالرعاة إلا في لحظة زنقة صنادق الإنتخاب،ناسية أو متناسية أن هناك تحولات كبرى طرأت على شخصية الرُعاة وأن أي معادلة إنتخابية قادمة فأن الرُعاة سيصبحون القشة التي ستقسم ظهر البعير ،وأن الطاولة ستنقلب على رؤوس الكثيرين.
اليوم باتت ديار المسيرية حزينة وأمهات ثكلى باكيات و ونساء أرامل مفجوعات وأخوات حزينات وبنات أيتام خائفات من القادم والجُثث لم تُدفن بعد والجرحي يعانوا من إنعدام الخدمات ،دون أن تتحرك أي جيهات رسمية في المركز او الولايات او من قوات حفظ السلام المُسماه اليونسفا ،وكأن إنسان ديار المسيرية ليست مُدرج في قائمة الإهتمامات الإنسانية خليك من الواجبات الدستورية التي تستوجب الإهتمام بالأمر !!!لماذا يا تُرى؟وآين نُخب المسيرية الذين يتبوؤن المناصب العُليا في إدارية أبيي؟وآين المركز بلجانه وإشرافيته؟ فهل الجميع يعرفون حقيقة ما يدور في أبيي من مؤامرات تستهدف الرعاة وثروتهم في حرب إبادة حقيقية ممنهجة!! فمن لم يمت بنيران الحركة الشعبية في جنوب السودان والحركات المسلحة في كردفان ودارفور ،فحتما سيموت من مخلفات البترول الذي يديره المركز والمافيا في حقول النفط ،واصبح الرعاة :”مقتولين صفين”!!لا رحمة من الحركات المسلحة ولا إهتمام من المركز.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى