أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يمتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة).. وردي يستحق …

تأخر هذا المقال قليلاً ، إذ كان من المفترض أن يكون عقب الإحتفال بذكرى ميلاد فنان السُّودان وأفريقيا الأول الأستاذ الموسيقار محمد عثمان وردي ، والذي إحتضنته قاعة الصداقة بالخرطوم قبل أيام قليلة ، وتحدث مقدماً إفادة عظيمة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي ، وتحدّث من داخل الإحتفالية مباشرة الدكتور عبدالله حمدوك ، رئيس مجلس الوزراء ، مثلما تحدّث آخرون من بينهم الأستاذ كمال الجزولي ، وعدد من أفراد أسرة الفنان الكبير محمد وردي رحمه الله .
أذكر أنه وفي ذكرى رحيله الأولى أن كلفني تلفزيون السُّودان ممثلاً في المخرج الكبير والمبدع شكر الله خلف الله ، أن أقدم حلقة خاصة عن وردي ، حملت إسم ( يا أعز الناس ) كان ضيوفها أقرب المقربين للفنان الكبير وردي ، من أهل الموسيقى والغناء ، وكان هناك إبنه الأخ الكريم الأستاذ عبدالوهاب وردي ، وأشهد أنني لم أبذل أي جهد في إعداد تلك الحلقة ، سوى التقديم وإدارة الحوار ، فقد كانت الحلقة مكتملة من حيث الإعداد والضيوف ومحاور الحوار ، وهو أمر عرف به صديقنا مخرج الروائع شكر الله خلف الله .
عقب بث تلك الحلقة دار حوار بيني وبين الأخ عبدالوهاب وردي ، حول توثيق مسيرة فناننا الكبير محمد وردي ، ومن ضمن الوثائق المصورة المطلوبة ، كان ذلك التكريم الأسطوري الذي قامت به صحيفة آخر لحظة في أول سني صدورها الأخير ، وقد كان صاحب الفكرة وراعيها أستاذنا الصحفي الكبير ، الشاعر وصاحب الحس الفني المرهف ، الراحل المقيم الأستاذ حسن ساتي ، الذي كان رئيساً لمجلس ادترة الصحيفة ، والتي كنت أرأس تحريرها آنذاك ، وينوب عن رئيس التحرير زميلنا الصديق الأستاذ الهندي عزالدين ، بينما يتولى مسؤولية مدير التحرير الصّديق والزميل الأستاذ عبدالعظيم صالح ، وقد كان التكريم حدثاً تحدّث به الركبان .
في رأي صاحبكم إن الفنان الكبير محمد وردي ، هو ظاهرة فنية ، ذات أبعاد سياسية و إجتماعية وعلمية ارتبطت بالمتغيرات في المجتمع ، وأسهمت في التغيير ، وقد إنبنى هذا الرأي على أرضية من المعرفة والقرب من فناننا الكبير ، الذي ما أن أهاتفه إلّا ويرد علي ب …..« أهلااااااا يا درش » ، والعلاقة معه قديمة نشأت من علاقة السيّد الوالد الأستاذ محمود أبوالعزائم رحمه الله ، والذي تعرّف عليه وفق ما قال في العام 1957 م وهما في قطار بورتسودان ، وهي علاقة موروثة بالنسبة لصاحبكم جعلته يشعر بأنه الأحق دائماً في محاورة هذا الفنان الكبير صاحب المشروع الفني الذي لم توقف مسيرته الإعتقالات أو السجون أو المطاردات .
عقب إنتفاضة رجب أبريل في العام 1985 م كان وردي قد أقام حفلا في الفندق الكبير ، وكُنّا هناك مجموعة من الزملاء الصحفيين ، وكان وردي نجم الثورة اللامع وقتها ، فذهبت إليه ومعي زميلي وصديقي الراحل عثمان عابدين رحمه الله ، وطلبت منه موعدا لحوار ، فلم يرفض كما تعودت منه ، وكان أن أجرينا معه حوارا توثيقيا لمسيرة حياته تم نشره على صفحتي الوسط بصحيفة الأيام الغراء آنذاك ، وأحسب أنه سيشكل جانبا مهما في سيرة ومسيرة فناننا الكبير .
وسبق أن أجرت الشاعرة والإذاعية المعروفة الأستاذة شادية عطا المنان ، لقاءً بل قل حواراً إذاعياً مطولاً تم بثه على مدى ست حلقات في أحد برامجها الإذاعية الناجحة بالإذاعة الرياضية ، كنت فيه ضيفاً إلى جانب الفرعون كما كان يسميه أستاذنا الهرم حسن ساتي ، وكان البرنامج يحمل إسم ( النيل والقمر ) وتضمّن اللقاء تفاصيل كثيرة عن مسيرة فناننا الكبير محمد وردي رحمه الله ، وفي رأيي أنه سيكون أحد المرجعيات المهمة لتوثيق حياة ومسيرة الفنان الكبير محمد وردي .
آخر لقاء تلفزيوني أجري معه ، كنت قد تشرفت بإدارة الحوار فيه ، وكان على الهواء مباشرة من سد مروي ،إحتفالاً بافتتاح السد ، وكان ضيوف ذلك اللقاء الشيخ عبداللطيف الحمد ، وأسامة عبدالله ومحمد وردي ، وللقاء قصة نرويها في وقت آخر ، وهذا اللقاء يمكن أن يكون جزءاً من التوثيق ، لكن التوثيق الأعظم كان في آخر حفل جماهيري أحياه بالميدان الشرقي في جامعة الخرطوم ، ولهذا الحفل قصة ، فقد إتصل علي الأخ الكريم الزميل ، الدكتور حسن محمد صالح الكباشي ، وقال لي إنه يتحدث إلي الآن من داخل إجتماع مجلس الأساتذة الذي كان ينظر في أمر كيفية الإحتفال ببداية العام الجديد ، وإن المجلس قرر أن يكون الإحتفال مختلفاً ذلك العام وأن يحيي حفله الفنان الكبير محمد وردي ، وقال لي الدكتور حسن محمد صالح ، إن الجميع إتفقوا على أن يتم تكليفي بأمر الإتصال ووضع الترتيبات الخاصة بالحفل مع وردي ، وقد قبلت فورا ، وأجريت إتصالاً في التو واللحظة بالراحل المقيم الذي لايرفض لي طلباً ، وقال لي ان اي ترتيبات أخرى إتفق عليها مع مظفر ، وهو إبنه الذي كان يتولى إدارة أعماله ، وقام الحفل في موعده ، وشهده كل أساتذة الجامعة وغالبية الطلاب والطالبات ، وسال الدمع من عيني وردي وهو يرى عشرات المئات من الشّباب يتغنون بأغنياته ويرددون الأكتوبريات كأنهم من جيل أكتوبر 1964 م عام الثورة العظيمة التي انطلقت شرارتها من داخل البركس يوم الأربعاء الحادي والعشرين من أكتوبر 1964 م عندما اخترقت رصاصة رأس الطالب الشهيد القرشي ، في زمان كان تنظيم المستقلين يرأس إتحاد طلاب جامعة الخرطوم ، ممثلا في الدبلوماسي والمفكر والسياسي السفير الراحل حسن عابدين .
هذه لمحات مما يمكن أن يعين في توثيق لمسيرة الفرعون وردي الذي يستحق ذلك وأكثر ، لكن يتبقى أن يجد صديقنا الدكتور حسن محمد صالح الكباشي شريط ذلك الحفل الأخير .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى