أعمدة

(تأملات ) …جمال عنقرة حميدتي.. الإجتماع الخماسي ومسار الثورة

اماط نائب رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” اللثام عن إجتماع مهم استضافه منزل الفنان علي مهدي نوري في العام ٢٠١٩م ضم خمسة أشخاص لم يسمهم السيد حميدتي، ولكنه قال أن هذا كان أول إجتماع بين المجلس العسكري والحرية والتغيير، ولقد رفع عني شخصيا السيد حميدتي بحديثه هذا حرجا كبيرا، ذلك أني أعرف كثيرا من تفاصيل هذا الإجتماع المشار إليه، ولم يكن متاحا لي الحديث عنه، لأنه كان يدخل ضمن الأسرار المسكوت عنها، وكنت فقط أكتفي بالإشارة إلى مضمونه ومخرجاته في بعض المقالات، لا سيما وأنه يعتبر المؤثر الأكبر علي مسار الثورة إن لم يكن الأوحد.
وقبل الحديث عن هذا الإجتماع المهم والخطير، لا بد من وقفة عند الدار التي احتضنت هذا الإجتماع، وعند صاحب الدار، ابن عمنا الفنان السفير السيد علي مهدي نوري، ولعل كثيرون يعرفون تجذر العلاقة بيني وبين ابن عمي، وتشعبها، وهي صلات رحم وقربي، ومصاهرة، ورفقة لأكثر من أربعين عاما في الخاص والعام معا، وفيها كثير من الثوابت لا تؤثر فيها أي خلافات واختلافات، ويكرمني السيد بعدم الاقدام علي أي أمر، كبيرا كان أو صغيرا، عاما أو خاصا، قبل أن يأخذ رأيي فيه، وهذا يحتم علي تحري الصدق في النصيحة، ولو كانت قاسية، ويزيدني السيد مسؤولية باحتفائه بارائي السالبة أكثر من الموجبة، أما بالنسبة لداره الرحبة الفسيحة، فلقد استضافت عشرات اللقاءات المهمة جدا، علي كافة المستويات، وغير داره هذه التي يتخذها سكنا له ولاسرته، كان له مركز مهدي للفنون في قلب الخرطوم شرق، غرب مستشفي امبريال، كانت دارا للجميع، هذه الدار التي اضطر لبيعها للوفاء بالتزامات مهرجان البقعة المسرحي الرابع عشر، فحول دار سكنه، إلى دار عامة وخاصة، ولا يسمح المقال ولا المقال بذكر كل، ولا حتى بعض اللقاءات التي استضافها، وصرف عليها جميعا من حر ماله رغم تبدل الحال عنده، ولولا أن السيد علي قد أكرمه الله ببعض المقتنيات الثمينة التي ظل يبيع فيها، ويبيع لمواجهة الإلتزامات العامة قبل الخاصة، لصار من الفقراء والمعدمين، نسأل الله أن يخلف له بابرك مما أنفق، ويجعله في ميزان حسناته، وكما ذكرت يصعب في هذا المقال ذكر لقاءات بيته المهمة، لكن لا بد من ذكر حالة واحدة أشبه بتلك التي ذكرها السيد حميدتي، وليت الحالة هذه كانت قد سارت كما كان يرجي لها، وليت لقاء الخمسة قد وقف عند حده، ولكن قدر الله، وما شاء الله فعل.
الإجتماعات التي أعني، تلك التي كانت في أواخر عهد الإنقاذ، والتي كانت تبحث عن طريق ثالث بين “تسقط بس” و”تقعد بس”، وضمت هذه الإجتماعات ممثلين لكل القوي السياسية والمجتمعية الفاعلة، وكان من الممكن أن تجنب البلاد مزالق كثيرة من التي وقعت فيها بعد الاطاحة بنظام الإنقاذ، وبعد أن تمكن من البلد غير مؤهلين لقيادتها، وكان لاجتماع الخمسة الدور الأساسي في ذلك.
الإجتماع لم يكن بين المجلس العسكري وبين قوي إعلان الحرية والتغيير كما أشار السيد دقلو، ولكنه كان بينه وبين أربعة سفراء، والسفراء هم سفراء كل من أمريكا وبريطانيا والسعودية، والإمارات، ولقد طلب السفراء من السيد علي مهدي ترتيب لقاء خاص لهم مع السيد حميدتي بعيدا عن المكاتب، ولعلهم كانوا يقصدون داره، فاتصل بي السيد فورا، والتقينا مباشرة، وتفاكرنا في الموضوع، ورغم ما كانت عندي من هواجس، لكنني باركت الفكرة لا سيما وأن السيد حميدتي سوف يقابلهم بصفته العامة وليست الشخصية، وأن إخوانه في المجلس العسكري ليست لديهم تحفظات، ومن أسباب هواجسي حرصهم علي أن يكون الإجتماع مختفيا، رغم أنه كان متاحا لهم لقاء السيد حميدتي، وكل أعضاء المجلس العسكري، وزاد من هواجسي غياب مصر، ليس لما بيني وبين مصر من وصل وتواصل، ولكن مصر شقيقنا الأقرب، والأكثر معرفة بقضايانا، وهي المأمونة علي كل اشيائنا، وللأسف الشديد أن كل ما تخوفنا منه قد حدث، ودفعت البلد ثمن ذلك غاليا، ولا تزال تدفع، وكل ما يجري الآن من تدابير هي محاولات لمعالجة آثار ذاك الإجتماع الخماسي.
أول مخرجات هذا الإجتماع واخطرها أنه أسس لسيطرة خارجية علي شؤوننا الداخلية، لا سيما أمريكا وبريطانيا، بشكل مباشر، وعبر المؤسسات الدولية، ثم أنه مكن لمجموعة مركزية الحرية والتغيير من الثورة، وهي المجموعة التي عرفت فيما بعد بمجموعة الأربعة، وفي المقابل عزل كل القوي الوطنية الأخري خارج مجموعة المركزية، ولقد أدرك الحاكمون ذلك بعد فترة، ولقد أشار السيد رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى هذا في أكثر من خطاب، وحذر السفراء الذين يتجاوزون الحدود الدبلوماسية، وهدد المبعوث الأممي السيد فولكر بيرتس بالطرد من السودان إذا واصل في تجاوزاته، وفعلت الخارجية السودانية ذات الشئ، وحذرت السفراء من التجاوز، وما اتخذه الفريق البرهان من قرارات في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي كان أيضا محاولة لمعالجة تمدد بعض القوي السياسية بمدد خارجي، والمساعي الجارية الآن لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية تأتي أيضا ضمن محاولات معالجة آثار الإجتماع الخماسي الذي انحرف بمسار الثورة، واوشك أن يورد بلدنا موارد الهلاك، ووضع قرارها بأيدي غير أمينة، أو غير خبيرة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى