أعمدة

(تأملات) .. جمال عنقرة .. التوافق السياسي.. المطلوب والمرفوض

قضيت اليومين الماضيين في حوارات متصلة ومتواصلة مع عدد من القراء والأصدقاء حول موضوعين اثرتهما في مقالاتي الأخيرة، بعضها بشأن مقالي الأخير حول الإجتماع الثلاثي الذي أشار إليه نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو في إفطار الرياضيين بصالة دينار، وهو الإجتماع الذي استضافه منزل ابن عمنا الفنان السيد علي مهدي نوري، وضم إلى جانب السيد حميدتي، سفراء أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات، والثاني هو ما اثرته في أكثر من مقال حول التوافق السياسي الذي يتحدث عنه الناس، ويستغرب كثيرون أني رغم ما عرفت به من مساع في مجال الحوار والوفاق، والتراضي، أبديت تحفظات، واعتراضات علي مساعي الوفاق الجارية، وهذا ما أحاول توضيحه في هذا المقال علي أن أعود في مقال آخر أو أكثر لموضوع الإجتماع الخماسي بإذن الله تعالي.
التوافق عندي فطرة قبل أن يكون موقفا أو سياسة، ذلك أن حياتي كلها قامت علي التوافق والتراضي، واعانني علي ذلك كثرة القواسم المشتركة بيني وبين أهل السودان جميعا، فأعمامي وعماتي الثلاثة بعد المائة، من بضع وسبعين إمرأة من زوجات جدي الأمير النور عنقرة الخمس عشرة فوق المائة، يتوزعون علي قبائل السودان كلها، القديمة والقادمة، ويتوزعون الإنتماء السياسي علي أحزاب السودان كلها من أقصي اليمين إلى أدني اليسار، وهم بالطبع موزعون علي اقاليم وولايات السودان كلها، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. وعلي المستوي الشخصي فالانصارية عندي ميراث، والتيجانية طريق أخذته عن جدي لوالدتي قطب الطريقة المعروف في أم روابة الشيخ جبارة عمر عام ١٩٦٧م، والتزمت الحركة الإسلامية قبل نحو نصف قرن من الزمان، والإتحاديون أهل مودتي ومحبتي حتى أن كثيرين يحسبونني منهم، وأقدم ولائي لأهلي في عروس النيم، وعروس الرمال، والبقعة مبروكة الإله والدين علي اي ولاء سياسي أو حزبي، ويشهد كثيرون أنه، ومنذ المصالحة الوطنية بين الجبهة الوطنية ونظام مايو في العام ١٩٧٧م، ظللت دوما في صف التوافق، وبينما كان للطلاب الإسلاميين موقف مخالف لموقف التنظيم في التعامل مع نظام مايو، كنت متصالحا معه، وكنت أعبر عن هذا الموقف في كل المنابر الطلابية الإعلامية والسياسية، وبعد التخرج عملت في صحافة مايو، وتواصلت مع كل المايويين حتى صرت قريبا من الرئيس الراحل المقيم المشير جعفر محمد نميري، وفي الديمقراطية الثانية كنت داعما لخط الجبهة الوطنية الذي ابتدره الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي، ووقف معه فيه طيب الذكر الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، وخذلهما فيه السيدان الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة، ومولانا السيد محمد عثمان الميرغني أمد الله في أيامه اللذان اختارا التحالف الثنائي علي توافق الأحزاب السياسية الوطنية، الأمة والإتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية، ولما قامت الإنقاذ كنت من أوائل الذين دعوا إلى الانفتاح علي أهل السودان جميعا، وكتبت مقالات عدة ذكرت فيها أن الحركة الإسلامية لا يحق لها أن تحكم السودان وحدها بغير تفويض، ولن تجد لذلك سبيلا مهما طال عمرها في الحكم، وصرت بعد ذلك طرفا اصيلا وفاعلا في كل مبادرات التراضي والتوافق السياسي، والتراضي الوطني، ولما سقطت الإنقاذ، قدت حوارا واسعا تحت شعار ” نحو وطن يسع الجميع” ثم انتظمت في مبادرات عدة، اشهرها مبادرة شيخ المشائخ الشيخ الياقوت رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك استغرب هؤلاء تحفظاتي الأخيرة علي المبادرات التي تعج بها الساحة السياسية هذه الأيام.
وتأكيدا وتعزيزا لما ذكرته من قبل أكثر من مرة، أنني لست متحفظا فقط، ولكنني أرفض بشدة أي مبادرة يكون هدفها التوافق علي حكومة انتقالية تشكلها قوي حزبية أو سياسية، أو مكونات أهلية قبلية كانت أو دينية، أو إدارات أهلية، فذلك من شأنه أن يزيد الأزمة تعقيدا، وللأسف الشديد أن كثير من المبادرات الجارية الآن تسير في هذا الطريق الذي لا يقود إلى خير، وتحاشيا للوقوع في هذه المزالق والاوحال، أدعو إلى إعتماد شكل ومضمون الحكومة الحالية، علي مستوي الوزراء والولاة، وأن تكون دائرة التعديل ضيقة جدا، في حدود ما يكاد يجمع عليه الناس، ويرون أنه يحتاج إلى تعديل، فعلي الأقل ذلك يجنب البلاد مخاطر التغيير التي ينشدها بعض من يزعمون أنهم صاروا حواضن للثورة والحكومة، ويسعون إلى تقديم من يوالونهم في التشكيل الحكومي الذي يسعون إليه، وأرجو أن يكون ذلك كافيا لإزالة اللبس والغموض حول موقفي من دعوات التوافق الحالية، والذي كانوا يظنون أنه موقف غير منسجم مع ما عرفت به من مواقف توافقية متسامحة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى