بيانات

مولانا أحمد إبراهيم الطاهر يكتب : أحمد هارون.. جزاء سنمار.

حي ود الياس حي شعبي بمدينة الأبيض يسكنه البسطاء والفقراء من المواطنين. وقد سمي الحي باسم الياس باشا امبرير الذي كان أحد أركان كردفان والذي كان انضمامه للثورة المهدية سببا في اقتحام الإمام المهدي للابيض والقضاء علي حاكم الخديوي محمد سعيد باشا عام ١٨٨٣. نشأ الحاج محمد هارون في حي ود الياس وعمل بهيئة التنمية الريفية موظفا صغيرا وعاش وزوجته حاجة فاطمة والتي انجب منها عددا من الأولاد والبنات النجباء، والذين تخرجوا في كليات الطب والهندسة والبيطرة والقانون والكلية الحربية ، ونالوا الدرجات العلمية الرفيعة ، وعل رأسهم بروف الطاهر الذي زاملته في الدراسة في الأبيض الأميرية الوسطى وخور طقت وجامعة الخرطوم . والذي نال الدكتوراة في بريطانيا وعمل بمعاهد العلم العالمية وصار اخيرا مديرا لجامعة المغتربين. بروف الطاهر قادني للتعرف علي الأسرة المتواضعة وعلي عمنا محمد هارون الذي يقسم وقته بين العمل والمسجد وعلاقات الحي ولا تراه إلا مبتسما ابتسامة تهزم كل أثقال الحياة . في هذا المنزل عرفت التلميذ احمد محمد هارون ، إذ لا تزال صورته عالقة ذهني وهو في الثامنة من عمره يحمل حقيبة مصنوعة من الدمورية ويهرع في نشاط إلي المدرسة. أتم احمد دراسته الجامعية بمصر في القانون ودخل معترك المهنة في المحاماة والقضاء . ومن هناك تفتقت مواهبه العديدة والتي تخطت مهنة القانون وعبرت به إلي مصعد رجل الدولة. ومن إلمامي القليل برجال الدولة في التاريخ والحاضر لاحظت أن الذين تجذبهم الأقدار إلي مواقع السلطة قليل منهم من تنطبق عليه مواصفات رجل الدولة ، وكثير منهم يخرجون من السلطة بعد المدة التي قضي الله لهم فيها بالحكم دون أن يدركوا مهام رجل الدولة والدور الذي يلزمه القيام به لينال شرف الانتساب إلي هذا الوصف الرفيع. كما لاحظت أثناء تجربتي في العمل العام أن هناك افرادا في المجتمع تتوافر فيهم هذه المواصفات وهم ابعد ما يكونون عن تولي أية مسئولية عامة . ولعل من تلك المواصفات الهمة العالية والنظرة الثاقبة التي تتعدي الزمان والمكان والقلق الذي يدفع صاحبه دفعا لبلوغ الغاية ، والاستهانة بالمصاعب والعقبات، والمهارة الفائقة في قيادة البشر والسعة في الاخلاق التي تستوعب أنواع المتعاملين معه والمرونة في اتخاذ القرار والسرعة في حشد الموارد ، واختصار الوقت فى الوصول للهدف والتضحية بالراحة وتحمل الوصب والنصب وغيرها مما يطول ذكره . وهي مواصفات اختصرها الشاعر في بيت واحد: إذا هم ألقي بين عينيه همه. ونكب عن ذكر العواقب جانبا. وينسب إلي النبي صلي الله عليه وسلم قوله : الناس إبل مائة ، لا تجد فيها راحلة . لقد ذكرت بعض مواصفات رجل الدولة التي وجدتها ظاهرة جلية في مولانا احمد محمد هارون ، فما أوكل إليه عمل أو طلب منه تولي مسئولية إلا كانت مقدراته أعظم منها ، شهدت ذلك في عمله في الشرطة الشعبية وفي وزارة الداخلية وفي تعامله الفريد مع القوات المسلحة ليس فقط في مستوي الضباط وإنما علي مستوي ضباط صف ومعلمي الجيش وأفراد القوات المسلحة ، ثم في قيادته لولاية جنوب كردفان وتعامله الراقي مع الحلو مع عدم أغضائه وغفلته عن المكر ، وفي التنمية الواسعة في عهده والترابط المجتمعي حتي مغادرته الولاية. ثم تفتقت عبقريته في شمال كردفان التي اعجزت من سبقه علي عظم اجتهادهم. فبدا مشروعات التنمية فيها بنهج لم يسبقه إليه أحد ، فقد وثق في قدرات الشعب المحدودة وجمعها ونظمها واستحلب منها موارد ماليه من مساهمات المواطنين من التجار والعمال وموظفين الدولة ومن الحرفيين وماسحي الأحذية والطلاب ومن المنتسبين لكردفان بالمهنة والعمل والصداقة والمصاهرة ، ومن المغتربين والمهاجرين. وجعل من تلك الموارد المتواضعة مشروع نفير كردفان الذي سعي به لعون الدولة ، علي فقرها وحاجتها فتدفق المال عليه وسال بين يديه ومن بصمة عينيه ، ولكن لم يدخل من ذلك المال إلا صحن الفول الخشن ، فشيد أعظم المستشفيات وأرقاها علي مستوي العالم وأقام افضل استاد للرياضة العالمية، واستعان بالمهندسين القوميين للتخطيط لمياه الأبيض من شتي المصادر وشيد عددا من المدارس الراقية في قري لم تشهد من قبل تنمية وخطط لمستقبل عظيم لمواطني الولاية مبني علي رؤية تكاملية لنهضة الريف وتحديث نظم الزراعة والصناعة والتجارة العالمية ، واختتم ذلك بالمشروع الذي استفاد منه جميع أهل السودان وهو طريق ام درمان_بارا – الأبيض الذي ربط دار فور وجنوب السودان بالميناء . وقد شهدت معه افتتاح الطريق بحضور الرئيس البشير في مارس ٢٠١٩ . وفي جلسة بالأبيض بعد الافتتاح عرض الوالي احمد هارون مشروعه المصاحب لطريق بارا – ام درمان، وهو مشروع الدرب الأخضر، إذ قدمت الدراسة مشروعا زراعيا محاذيا للطريق يبدأ مت غرب ام درمان بالاندرابة ويمتع إلي جبرة الشيخ ويستوعب عشرات الآلاف من الخريجين ويزود بالصناعة التحويلية وتسمين الماشية والأعلاف والقمح للاستهلاك المحلي والتصدير واعتمد له في البدء مبلغ خمسة مليون دولار تبرع بها أحد المواطنين الأوفياء. . . ولكن بعد شهر واحد من هذا الإنجاز العظيم الذي يستحق التكريم والتقدير لقائد عظيم من أبناء بلادي ، وجد احمد هارون نفسه داخل سجن كوبر دون اتهام ودون مراعاة لحقوق المواطنه ناهيك عن حقه في الحكيم والتعظيم. هذا جزاء المخلصين لوطنهم في السودان، أما جزاء العملاء والخونة وأعوان الاستعمار فهو الاستوزار والتسلط والقهر للشرفاء والنصب للموارد والتحكم في الرقاب بلا تفويض من الشعب. ويفعل الله ما يشاء .وإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم إني أشكو إليك الظلم الذي وقع علي أخي أحمد هارون وإخوانه في السجن شكوي الظلوم إلي الملك القهار.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى