أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب في (قيد في الأحوال) ..لا .. لن تكون الجمارك غطاءاً.. وفبارِك !!

معلوم أنّ الدولار الجمركي هو السعر المستخدم لحساب قيمة جمارك الواردات من خارج الدولة ، ومن ثمّ تُدفع بالجنيه السوداني، والجهة الوحيدة التي تحدِّد سعره ، ومنذ إنشائها قبل مائة عام ، هي الجمارك السودانية، لاختصاصها في هذا الشأن ، ولِمَا لها من قانون صارم حازم ، وخبرتها الطويلة المتراكمة التي أمست تاريخاً إحتذت به كل الدول العربية والإفريقية من حولنا ، حين نهلت تلك الدول من علمها وخبرتها التي نعتز بها كقبيلة شرطة .

ومن اسمه… (دولار جمركي) ، ليس لأي جهة أخرى الحق في التدخّل في شأنه خلاف الجمارك ، لأنّ أمر هذا الدولار الجمركي إنْ تم تركه للحكومات فهي تستغله لضمان بقائها ، غير آبهة بمعاش الناس وظروفهم الإقتصادية. وهذا ما حدث بالضبط في وطننا السودان . وطيلة إدارة هيئة الجمارك لهذا الملف كل هذه السنين الطوال، ومسئوليتها المباشرة عن (الدولار الجمركي) لم يترواح سعره عن ال 28 جنيه ! .

في العام الماضي، وتحت غطاء مواصلة الإصلاحات الإقتصادية القاسية، ألغت وزارة المالية ، بقرار مفاجئ نظام العمل بما يُعرف بالدولار الجمركي . هذا الخبر المحزن وقع كالصاعقة على جموع الشعب السوداني ، في حالة من الذهول والخوف من تصاعد أسعار السلع في الأسواق ، وما أن ذاعت أخباره في الأُفُق حتى جنّت جنون الأسعار والأسواق ، وبعد ساعات من صدور هذا القرار اشتعلت نيران الأسعار ! في بلدٍ ليس فيها أي مقومات للإنتاج ، ولا مرتبات عاملين تسد الرمق ، وعطالة “بالكوم” وكذبة مؤتمر باريس الكبرى ، ووعودها التي ذهبت أدراج الرياح والغيوم !.

ونحن على ذاك الحال الإقتصادي المتردِّي الذي لا يسر البال ! ، ولم نخرج من صدمة ولطمة الزيادات المتوالية على المحروقات ! ، والتي زادت طين الإقتصاد بلّة ، وجعلته كاللوري المحمّل بالبضائع ، لساتكه الأربعة “غاطسة” في “لُب” الوادي المنحدر ، والمياه تحيط به من كل الجهات، مما اضطر سائقه للقفز و”العوم سدّاري” لينجو بنفسه ! ، تاركاً اللوري والبضاعة في حالة يُرثي لها.. ينظر للوري والبضاعة المتناثرة في حسرة… يدفعها السيل أمامه بحقدٍ دفين… ومن على البعد يظهر مُساعد “حلّته” مُلوِّحاً ب”حلّته” التي هي كل سعادته… لكنها فارغة للأسف من كل “سفسف ” !! .. فقد أفرغ محتواها السيل العميل !!.

نحن مع هذا المنظر المخزي المؤلم المبكي ، إذ تأتي الأخبار الضارّة، الغير سارّة كعادتها !! … تأتي بخبر الشؤم أمس في كل الصحف تحت عنوان :

(إرتفاع الدولارالجمركي)

ليصل سعره 565 جنيه بنسبة زيادة 8`26٪. وما أن تفشّي الخبر ، وعمّ القرى والحضر حتى أثار هلعاً في كل الأسواق السودانية . بل وفي كل بيت ، زيادات سبقتها قبل أيام زيادات في المحروقات! ، خلقت ركوداً كبيراً في الأسواق ، جعلت التاجر جالس أمام بضاعته الساعات “زووول بقول ليهو دايرنها بقرش مافي”! ، يفتح متجره في الصباح، ويعود لمنزله في المساء، وإن تحصّل على “حق الخدار” والمصروف اليومي يكون “بالغ” !!..ومصانع تم إغلاقها ب”الضّبّة والمفتاح”!… أمّا محمد أحمد “الغلبان” فهو في حالة توَهَان وغثيان ، جعلته ينسى نفسه في كثيرٍ من الأحيان، ويقول لنفسه عدة مرات “أنا وين ؟!… البلد دي وين؟ !!.

وحتى لا يُدنّس تاريخها الطويل ، خيرٌ فعلت هيئة الجمارك السودانية حين تخرج اليوم لأهل السودان ، وتكشف وتقول بالفم المليان ” إنّه لم يعد هناك ما يُسمّى (الدولار الجمركي) ، وأوضحت الجمارك وأبانت :(منذ الإصلاحات الإقتصادية الأخيرة في يونيو 2021 لم يعد هناك ما يُسمّى بالدولار الجمركي، وتنفيذاً لسياسات الدولة الإقتصادية يتم العمل بمؤشر أسعار بنك السودان المركزي للعملات الأجنبية لغرض تحصيل الرسوم الجمركية “.

وفي ظل غياب مؤسسية الدولة، وعدم وجود مجلس وزراء مُعيّن، يعي مسئوليته، وغياب مجلس تشريعي ، وهياكل دولة كثيرة غائبة !، في ظل كل ذلك وبالتأكيد يختل ميزان ومعيار الدولة ، وينعدم القرار الجماعي العلمي المدروس ! ، ويدب الفساد الإداري والمالي والأخلاقي ، لانشغال الساسة بكراسي السلطة الوثيرة… وبيانات، ومبادرات ، وجماعات، و”شلليّات” ومؤتمرت يومياً ، سئمناها.. و”كلام بئيس.. عمرو ما بِبقا لقمة عيش ” !.

عشرة أشهر بدون دولة !… وبدون “ضُل” دولة حتّى!! …. حتّى أمسى حالنا كتلك “الأرملة” التي همّها أن تحفظ نفسها بعد أن ضاق ذرعها من ذوي النفوس المريضة والطامعين حولها..وتقتحم المسجد وتصيح بأعلى صوتها أمام المصلين (عاوزا لي ضُل راجل يا رجّالا…. عاوزا لي ضُل راجل يا رجّالا) !!

باختصار هذا حال أهل السودان ، يريدون دولة مؤسسات… ولو “ضُل دولة” ! .

وكفاية مجاملات ومحاصصات وتغييب للخبرات !!

وفي ظل هذا السخط والغضب، أخشى ما أخشى على البرهان وصحبه من العقوبات…. ليست العقوبات الدولية!

إنما العقوبات الرّبّانيّة !

وحسبنا الله ونعم الوكيل

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
3 أغسطس 2022

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى