أعمدة

(تأملات) .. جمال عنقرة .. السيد محمد عثمان.. ومشروع الخلاص الوطني “٢-٢”

ذكرت في مقال الأمس أني اخترت لما طرحه مولانا السيد محمد عثمان الميرغني اسم مشروع وليس مبادرة، حتى لا يختلط مع كثير مما تعج به الساحة ويحمل اسم مبادرة، ثم أن ما طرحه مولانا يختلف في منطلقه، ومقصده، ومبتغاه، عن ما يطرحه الآخرون، فالمبادرات الأخري لا سيما الأشهر فيها التي يقودها المبعوث الأممي السيد فولكر بيرتس، فهذه تستهدف إعادة تمكين قوي محددة في حكم البلاد في فترة انتقالية تطول إلى أقصي فترة ممكنة، ومبادرة مولانا تستهدف توحيد رؤي، واستنهاض همم الوطنيين السودانيين جميعا، ليعملوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، لإنقاذ بلدهم من المخاطر التي تكاد تطبق عليها، والعمل سويا لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر، وطموحات الشعب في الحرية والسلام والعدالة. وبينما تستهدف مبادرة السيد فولكر، والتي علي شاكلتها قوي محددة تحتكر اسم الثورة، وتنصب نفسها ناطقا اوحدا باسم الثورة والثائرين، فإن مشروع مولانا السيد محمد عثمان يستهدف السودانيين جميعا بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم، وقال إنه يدعو لحوار شامل للسودانيين جميعا لا يستثني جهة، ولا يعمل لتمكين جهة دون أخري.
وبينما ينقسم المبادرون الآخرون بين داع إلى عزل الجيش عن السياسة وعن الإقتصاد وعن الحياة العامة في السودان تماما، وبين داعين إلى تمكين الجيش من كل شئ، فإن مولانا وضع الجيش في مكانه الطبيعي مكونا أساسيا من مكونات الشعب السوداني، ولأن الجيش هو الذي حسم أمر ثورة ديسمبر المجيدة، وحقق رغبة الثوار، واسقط النظام السابق، ويتولي الآن الإشراف علي عملية الإنتقال الديمقراطي، خص مولانا قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة بنداء خاص للقيام بدور فاعل في مشروع الخلاص الوطني، ثم دعا معه كل مكونات الشعب السوداني الأخري السياسية وغير السياسية للمشاركة في هذا المشروع الوطني الذي يعتبر في هذه المرحلة فرض عين علي كل سوداني وسودانية.
وكما ذكرت في ختام المقال السابق رغم أن هذا المشروع مشروع قومي، وأن نداءه موجه لكل أهل السودان، إلا أن مولانا خص الإتحاديين بنداء خاص، ودعاهم لجمع صفهم وتوحيد كلمتهم، ليكونوا مثالا وقدوة للآخرين، فوحدة الحركة الإتحادية هي الخطوة الأولى الممهدة لهذا المشروع، واجدد دعوتي لنجلي مولانا السيدين الجليلين جعفر الصادق، والحسن لوضع أياديهما فوق بعض، ورغم أن السيد الحسن أقرب إلي كثيرا، وبيننا تواصل حميم، لكنني استحسنت فكرة تسمية مولانا للسيد جعفر نائبا للرئيس، لا لشئ إلا لأن ذلك يؤكد عزم مولانا المضي في مشروعه بلا تردد، ومما عرف عن مولانا أنه رجل وفاقي ووسطي، ويسعي إلى إرضاء أكبر قاعدة ممكنة مهما كان الثمن، ولقد خسر الإتحاديون دوائر انتخابية كثيرة في انتخابات عام ١٩٨٦م بسبب تعدد مرشحي الحزب في تلك الدوائر، وكان عندما يتعدد المرشحون في دائرة ما يسعي مولانا علي توافقهم علي مرشح واحد، فإذا لم ينجح ذلك، فتح الدائرة. وحتى وقت قريب كان السيدان الحسن وجعفر يسمي كل واحد منهما نائب الرئيس، ولم اسمع قولا فصلا مباشرا وواضحا وصريحا، ومن مولانا بنفسه، قبل هذه المرة، ورغم أني ليس لدي أدني علم بتفاصيل ذلك واسبابه، ولكن يبدو أن سعة الصدر والوسطية التي يقال أنهما يتصف بهما السيد جعفر قد اهلتاه لهذه المهمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلدنا، ويبقي للسيد الحسن دور مهم يمكن أن يلعبه بجانب شقيقه السيد جعفر الصادق نائب رئيس الحزب، والسيد الحسن امكاناته ومقدراته الفكرية والسياسية عالية جدا، وله صفات قيادية نادرة، وله قدرة عالية للتواصل مع الآخرين بمختلف تكويناتهم، ومكوناتهم، وتلك مقومات مطلوبة في هذه المرحلة، وتدعم مشروع والده الوطني العظيم الذي كلف شقيقه السيد جعفر بقيادته الميدانية نيابة عنه.
ومن فضائل الله علي أهل السودان، ولعلها من بركات هذه الأيام المباركة أن يتزامن نداء مولانا السيد محمد عثمان الميرغني مع نداء مولانا الشيخ الطيب الجد ود بدر لأهل السودان جميعا للتداعي لكلمة سواء يوحدون بها صفهم لمواجهة المخاطر العظيمة التي تحيط ببلدهم، وكلا الرجلين المباركين الجليلين مولانا السيد محمد عثمان، والشيخ الطيب الجد، قد وجه نداءه لذات المكونات الوطنية التي وجه لها الآخر نداءه، وذلك ما يشجعنا علي التطاول، فنوجه لهما نداءنا نحن عموم الساعين في درب الخلاص، لأن يوحدا جهودهما، ويقودان مشروعا واحد يحقق أحلام أهل السودان جميعا في الحرية والسلام والعدالة، والله الموفق.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى