أعمدة

(ويبقي الود) ..د. عمر كابو .. عظيم رحل عن دنيا القضارف

فضاء من الحزن العميق تخلل أعماقنا ونحن نستودع الله عمنا السر حاج الحسن قبل ساعات من الآن إلي مثواه الأخير بمقابر شمبات٠
فقد جلل ومصاب عظيم لرجل عاش حياته كلها في القضارف قادماً إليها من دامر المجذوب فطابت له وطناً ومستقراً ومقاماً أحبها وأخلص إليها وبادلها محبة بمحبة ووفاء بوفاء٠
ووقف لها كل وقته وجهده وماله لم يبخل عليها بشئ بعد أن اختط له توجه في البر فاق عطائه الذي طال أهله وأفراد أسرته العامرة إلي عطاء شاد به صروحاً اجتماعية ومؤسسات تحدث عن فضله واحسانه وبره لانسان القضارف وقد عم خيرها كل ربوع المدينة٠
فمعهده الذي حمل اسمه يظل شاهقاً شامخاً بأصفي مشاعر النبل تردده الأجيال أثر الأجيال ومسجداً ينطق شاهداً له بحبه الشديد وولائه الكبير لدينه وعقيدته وقرآن فجره وصلواته المعهودة٠٠ فقد بلغ حبه وتمسكه بالقرآن الكريم أن ظلت حلقة تلاوته عشرات السنوات في مسجد أنصار السنة بديم حمد ما تخلف أو تأخر عن موعدها دقيقة يعلم الناس فيها التجويد الذي برع فيه وأتقنه تمام الاتقان فكان حجة فيه٠٠ مثلما تكفل بنفقات هذا المعهد الديني دعماً لوجستياً ومادياً متكفلاً بنفقاته كاملة دون نقصان ومن غير من أو أذي كما المسجد٠
ولم ينحصر فضله في ذلك بل اتسع وتمدد دعماً لمستشفي القضارف بناءً وتشييداً وكفالة لعلاج مرضاها ٠ ثم أنه يرحمه الله اتخذ من الجدية والمثابرة والاجتهاد نبراساً له ومسلكاً ما أهله لأن يرأس مجلس أمناء جامعة القضارف منذ النشأة وحتي عهد قريب٠٠ ومن باب الإنصاف يمكن القول أنه أحد خمسة رجال يرجع الفضل لهم في توسعة وتشييد هذه الجامعة وتطويرها علي نحو ماهي عليه الآن إن لم يكن هو أولهم: دكتور عبدالرحمن الخضر والي القضارف السابق ودكتور عوض الله موسي علي وزير ماليته ومهندس مبارك منير هجو وزير التخطيط العمراني وبروفيسور عمر إبراهيم كردي مدير الجامعة المؤسس الفعلي لها فقد كان للرجل صولات وجولات في حث الخيرين علي الدعم والمساندة واستقطاب الدعم اللازم؛ يكفي أنه كان يصر علي عقد اجتماعات مجلس الأمناء الطارئة بأكثر مما هو مطلوب٠ حلاً لمشكلة أو متابعة لقرار أو تحسباً لطارئ٠٠ فأقال عثراتها ونهض بها وحولها لجامعة عملاقة تضاهي جامعات الولايات الأخري سمواً ومعاني ومباني٠
مثل ماله يد بيضاء في اقالة عثرات الكرام من أهل القضارف وهو يتولي لجان الاعسار مقدماً سهمه الكبير فيها قبل الآخرين يفعل ذلك في صمت متوكلاً علي الله الذي ألهمه الحجة والحكمة وفصل الخطاب والقبول وأيده بالتثبت ورد الحقوق باسطاً يده في اصطناع المعروف٠
حاج السر صاحب قلب زاخر بالتجارب عامر بالإيمان كسر نفسه من الشهوات فكان وقافاً عند محارم الله لم يأسره حرص علي جمع المال بشتي الوسائل مثل فعل الآخرين فقد شهدت كل سنوات عمره رفضه التعامل بشبهة الربا ناهيك أن يكون الربا طابع المعاملة وأصلها؛ ومن هنا حرص علي اجتناب التمويل المصرفي مخافة أن تذل قدماه بعد ثبوتها حيث الربا٠
فهو بحق ممن يقال في حقهم أنهم كانوا قدوة صالحة في السلوك الطيب والأخلاق الفاضلة الحميدة فلا نعرف أحداً من أهل القضارف إلا وأثني علي حسن معاملته وعلي الانشراح الذي يبعثه في النفوس والطمأنينة للتعامل معه٠
عمنا السر حاج الحسن عاش قوياً من غير خشونة ولا فظاظة متألقاً بلا غرور جارف أو تعجرف متهور مع ثقة بالنفس عالية تحاكي ثقة تراب القضارف المعطاء التي غذته من عنفوانها وكرمها وسجاياها بذات النسق المتالف المتناغم٠
لمست حزناً عميقاً في عيون مشيعيه من أهل القضارف وأهله ومعارفه فقد مضي إلي ربه بكتاب كله خير كله حب لدينه وتسليم بقضائه وامتثال لأوامره واجتناب لنواهيه٠
وليس لنا إلا الصبر علي هذا الابتلاء العظيم والفقد الأليم والرضا بقدر الله والتسليم بقضائه والانقياد لمشيئته٠
ذهب لرب غفور رحيم وسعت رحمته كل شئ ونطمع أن تشمل (أبو محمد) وتحشره في لواء شفيعنا المشفع وتورده الكوثر يشرب منه شربة لايظمأ بعدها أبداً أبداً٠
صدق الله العظيم:(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون)٠
إنا لله وإنا إليه راجعون ٠

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى