أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب في (قيد في الأحوال) .. السودان مشارح وجُثث وروائح !!!

معلوم أنه عند ورود أي معلومات أو بلاغ بالعثور على جثة شخصٍ ما ، تقوم الشرطة، وتحت إشراف النيابة ، بموجب المادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية، بالإنتقال فوراً إلى مكان الحادث ليتم بدء التحري ، وينطلق تحريها في اتجاهين ، الأول في التعرف على ملابسات الواقعة ، من رسم محل الحادث، ووصفه، وتصويره ، وتحريز المعروضات ، من أداة أُرتكِبت بها الجريمة وغيرها ، وأخذ أقوال الشهود ، وما يقود للقبض على الجاني . ويكون الإتجاه الثاني بنقل الجثة للمشرحة ، ولمعرفة سبب الوفاة ، وذلك بتشريحها بواسطة الطبيب الشرعي ، وإعداد تقرير بذلك . وفي حالة تكون الجثة مجهولة الهوية يتم وضعها في المشرحة ، وسحب التحليل الحمضي النووي منها “. D. N. A” والإحتفاظ به ، حتى إذا حضر أي شخص من ذويها من الدرجة الأولى ، يتم إجراء تحليل حمضه النووي ومطابقته مع الجثة المجهولة، وفي حالة التعرف ، يتم تسليمه الجثمان ، وفي حالة عدم التوصل إلى أهل مجهول الهوية ، يتم الدفن ، مع الإحتفاظ بملف كامل عن وصف الجثة ، وترقيمها ، وإرفاق تقرير الطب الشرعي، والفحص النووي، وتحديد موقع القبر بعلامات ، وتصويره ، مع استمرار التحري . ومتى توفّرت بيّنات عن الجاني والقبض عليه ، يتم تحريك الإجراءات .

ومعلوم أنّه لدينا في السودان ، حدوث أزمة كبيرة عن الجثث مجهولة الهوية ، ظهرت جلياً بعد حادثة فض الإعتصام في العام 2019 ، والتي تم تشكيل لجنة تحقيق فيها برئاسة المحامي د. نبيل أديب .
وتجدّدت هذه الأزمة أمس ، حسب صحيفة السوداني ، حين كشف مدير هيئة الطب الشرعي العدلي بوزارة الصحة بالخرطوم ، د. هشام زين العابدين ، عن زيادة أعداد الجثامين مجهولة الهوية بالمشارح ، وارتفاع عددها إلى أكثر من ثلاثة آلاف جثمان ، وأرجع ذلك لقرار منع الدفن الصادر منذ العام 2019 بعدم تشريح ودفن مجهولي الهوية، لارتباطهم بحادثة فض الإعتصام ، وأضاف مدير الهيئة أنّ المشارح تستقبل يومياً ما بين (5 إلى 7)جثث مجهولة الهوية داخل ولاية الخرطوم ، ووصف الوضع بالمزري لتعطُّل معظم الثلّاجات بمشرحتي بشائر والأكاديمي ، ممّا أدّى إلى تعفُّن وتحلُّل الجثث ، وانبعاث الروائح ، وناشد مدير الهيئة ، النائب العام بإصدار قرار في أسرع وقت بدفن الجثامين مجهولة الهوية.

👆🏻إنتهت خلاصة تصريحات مدير الهيئة

إنّ هذا الحال الذي وصفه مدير الهيئة، سيزيد من تعقيد صعوبة واستحالة اكتشاف الجريمة ، بالإضافة لتأخُّر رفع إجراءات التحقيق ومرور سنوات من أمر تشكيل اللجنة ، وبالتالي صعوبة إيجاد من يمثُل أمام المحاكم من الشهود ، كلّما تأخّر التحقيق ، بسبب تساقط أولئك الشهود أنفسهم مثلاً ، بسبب الموت ، أو كِبر سنّهم ، أوعدم تذكُّر الواقعة ، أو اختفائهم ، أو بسبب المرض ، أو اختلال العقل ، أو خروجهم من السودان واستحالة الوصول إليهم ، أو أي أسباب أخرى تتعذّر عن وقوفهم أمام المحاكم لتأدية الشهادة . وشهادة الشهود هي من أهم البيّنات في الإثبات ، وفي حالة عدم حضورهم أمام المحاكم ، سيتم حفظ الإجراءات ، وبالتالي إغلاق ملف التحقيقات !….. لكن.. “كاتل الروح وين بروح” ؟؟!

والآن .. وبعد هذا الموقف الذي يسيئ للإنسانية ! .. والحال الذي لا يرضاه الشرع والمشرِّع !! ….. بعد كل ذلك ! …. ماذا تقول السلطات عن حُرمة هؤلاء الأموات ؟!!.

ورحم الله الأموات.

ورحم الله مواطن السودان … فقد ظل في الإهانة والهَوان ؛
( حيّاً) و (جُثمان) !

والله المستعان

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
29 أغسطس 2022

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى