أعمدة

لواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب في (قيد في الأحوال) .. المعمورة (84) : صحّيتِي في قلبي الوجود ، ورجّعتِي لعيوني النهار !!

معلوم في كل دول العالم أنّ الأمن بالجميع وللجميع ، بالجميع يعني الأمر يتطلب مشاركة المجتمع ووضع يده مع الشرطة، وللجميع يعني أنّ الأمن لا أحد يستغنى عنه، شرطة ومجتمع، ودور المجتمع مع الأجهزة الأمنية في كل دول العالم يقوم على مبدأ الشراكة والمسئولية الوطنية، بما يساهم في حفظ الأمن والإستقرار، ونشر الثقافة الشرطية بين الجمهور، وتقديم أفضل الخدمات، والتوعية بكيفية التصدي للجريمة وكيفية الإبلاغ عنها، وإعداد البرامج والمحاضرات والدورات وكافة الأنشطة التي تستهدف فئات المجتمع . وإذا كان هذا حال الدول التي لديها ميزانيات ضخمة لمواجهة الجريمة، تشرك المواطن في العملية الأمنية، فما بالنا نحن في إحدي دول العالم الثالث الفقيرة التي تعاني عجز الميزانية ! .

قبل شهر أصدر وزير الداخلية قراراً بإنشاء الشرطة المجتمعية ، ومنذ أن تسامع الناس بهذا الإسم “الشرطة المجتمعية” ! ، إلّا وهاجت الوسائط والأسافير ، وتوجّست وخافت من تلك التجربة السابقة المريرة بما فيها من سلبيّات ! ، بالرغم من توضيح وزارة الداخلية بأنّ هذه الشراكة المجتمعية تأتي بفهم جديد ، بشراكة مع المواطن السوداني تواكب التجارب في البلدان العالمية ، إلّا أنّ ذلك لم يجد مع تلك العاصفة الهوجاء أذن تسمع ، فاقتلعت القرار من جذوره وأساسه ، ومن يومها لم نسمع له حِس ! .

الشرطة السودانية اليوم في أمس الحاجة لتلك الشراكة المجتمعية.. لا يهم … فلتقم تحت أي مسمّى ، فالشرطة مخصص لها ميزانية ضعيفة لا تستطيع توفير عربات حوادث في معظم أقسامها ، في ظل إنهيار أمني مريع ومخيف، وخطف وقتل وسرقات ونهب وضح النهار ، من عصابات (9) طويلة وخلافها ، وتوافد يومي للأجانب عبر حدود مفتوحة طويلة ، ومخدرات تدخل السودان بالأطنان.. ودعارة حصيلتها دخول طفلين غير شرعيين يومياً لدار المايقوما ، هذا عن الخرطوم !.. وما يتم التبليغ عنه فقط ! ، وفي الولايات ما تم دفنه ورميه للكلاب ، ووضعه داخل كراتين أمام أبواب المساجد أفظع وأوجع، إن كان في قلب الأم ذرّة من الرحمة ! ، وخمور تُجهز بمئات براميل البلح المُخمّر ، وآلاف جركانات العرقي الجاهزة للبيع، هذا خلاف ما يستورده التهريب من خمور مستوردة مثل الويسكي والجِن ! .

يوم أمس أدخلت لجنة تطوير حي المعمورة(84) الإحساس بالأمن والأمل في قلب كل مواطن من سكّان العاصمة ، حين قامت بمبادرة نادرة وفريدة ، شملت رصف طرق وتشجير وحملات نظافة، وإزالة أوكار الجريمة والسكن العشوائي وأماكن الخمور ، بشراكة فاعلة مع الشرطة ، والتبليغ عن كل ما يعكِّر صفو الأمن هناك ، وزادت المبادرة إحسانا، حين دخلت اللجنة قسم الشرطة، ووجدت عربة الشرطة المعطّلة زمناً طويلاً ، وقد بنت علي ماكينتها العنكبوت… فهبّت ، ونفضت الغبار عنها، حين دبّت فيها الحياة من جديد ، وقامت على رجليها، وشاركت في حملات الخمور والإزالة ، وتفاعل شباب الحي فانتفضوا من غفوتهم كاندفاع السيل، وقاموا بجمع المعلومات بالمسح الكامل للحي ووضع قاعدة بيانات بتقنية حديثة متكاملة لكل بيت ، ومنح كل منزل رقم معين … لله درّكم شباب المعمورة !! .. وعمّر الله قلوبكم بالأمن والإيمان ، فقد طبّقتم ذلك البيت الشعري عملياً :

شبابٌ قُنّعٌ لا خير فيهم
وخيرٌ في الشباب الطامحينا

والتحية والتجلة للجنة تطوير الحي الراعية للشباب والإعمار ، و”الما عندو كبير ما عندو جديد”…. وزادت اللجنة حين قالت “الخطوة القادمة هي وضع كاميرات في المباني العالية بكل مداخل ومخارج الحي”.

يا الله…. فهم راقي وعالي.. يحتاج من الفريق شرطة عثمان معلا ، مدير شرطة ولاية الخرطوم ، والرجل عرفناه عملي وميداني، مطلوب منه أن يقف مع هذه المبادرة وبشدة ، حتى لا يقتل حماسها المخذّلون… ويطبقها كأول نموذج لشراكة مع المجتمع العاصمي ، بتذليل كل الصعاب ، ثم انطلاق التجربة لكل أحياء العاصمة القومية، بخلق شراكة قوية بين الشرطة والمواطن، محميّة بسياج من روح المواطَنة المخلصة السمحة الباذلة، شراكة لا يتخلّف عنها ميسور الحال في الحي ، بصيانة كل عربات الشرطة المعطلة ، وتوفير مواد البناء لصيانة الأقسام بأيدي الشباب… شراكة توصل الكهرباء لبعض أقسام الشرطة التي تستعين بفتح البلاغ بالشمعة أو “اللمبة ام شبك”!!….. داخل العاصمة !!…. أي والله….شراكة توفِّر المرافق لبعض الأقسام !…. دورات المياه يا سادة !!…. أي والله…. شراكة يجب أن يشارك فيها الخبراء في مجال الجريمة وعلم الإجتماع من سكان الحي، للمساهمة في وضع الخطط الأمنية ، لجعل تلك الأحياء هادئة آمنة مطمئنة ، شراكة يجب أن يفعّلها مهندسو المعمار والمدنية بالأحياء لجعل شوراع تلك الأحياء وميادينها راقية وزاهية، شراكة تُفتح فيها دور الشباب لإبراز المواهب الرياضية والثقافية.

شراكة كشراكة المعمورة.. تأتي من غير ميعاد .

والله الموفق

لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
20 سبتمبر 2022

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى