أعمدة

انواء رمضان محجوب  نظام التفاهة !! 

وانا استمتع هذه الايام بقراءة كتاب ” نظام التفاهة” للباحث الاجتماعي الكندي ألان دونو والذي يتحدث في مجمله عن سبطرة التافهون على مقاليد الامر في الدولة تذكرت كتابات الراحل المهندس الطيب مصطفى “رحمه الله” والذي افتقدته الساحة وافتقدته مواقفه الشجاعة الصادعة بالحق.   الراحل الطيب مصطفى “رحمه الله” كان كثيرا ما يذكرنا بحديث رسولنا الكريم الذي تنبأ بواقعنا الحالي حين اشار الى انه سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة؛ قيل: وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.  رسول الله فسر  الرويبضة بأنه السفيه الذي لا عقل له ، ولا كياسة عنده يتكلم في أمر العامة . وهذا من فساد الأمور، وانقلاب الأحوال، ورجوع الأمر القهقرى في آخر الزمان .، أي أن الأمر يوسد لغير أهله .  وهاهو الباحث الاجتماعي الكندي الان دونو وبعد اكثر الف واربعمائة عام ياتي ويحلل مفردة (روبيضة) عبر  كتابه “نظام التفاهة” الذي يحلل فيه واقعنا الحالي بجميع أنساقه ومؤسساته، بدقة وأسلوب شيّق.   يقول الكاتب اننا نمر بمرحلة تاريخية لا مثيل لها، تسود فيها سيطرة “التافهون” ، كما يدعوهم، على محاور المجتمع  كلها.   ويمضي دونو في تشخيصه ل”نظام التفاهة”  لهذا النظام  رموز تافهة ولغة تافهة وشخصيات وأدوات تافهة. ويرجع الكاتب  سر نجاح هذا النظام التافه الى قدرته على إيهام الأفراد بكونهم أحراراً.    وسيطرة النظام التافه – بحسب المؤلف- تبدأ بتفريغ التعليم من محتواه وهدفه المعرفي وتحويله الى قيمة تجارية بحتة، فنظام التفاهة يُقصي أي محاولة للعودة إلى هدف التعليم المعرفي والنهوض به  فلا ينتج سوى الكاتب العاطل عن العمل، والمعلم غير المستقر، والأستاذ الجاهل.   سياسيا يرى الكاتب  ان السياسيين التافهين يسعون الي اعادة انتاج للنظاَم الاجتماعي القائم في دولتهم ليأتي  متماشيا مع  اطماعهم التافهة، ولتنتشر نتيجة لذلك الممارسات الفردية الرجعية، و الابتعاد عن الهدف الجمعي الكفيل بتحقيق نظام مناسب للإنسانية ككل.   فيما يتعلق بالتجارة ورأس المال، يخلص الكاتب الي ان  التافهين عمدوا علي “تغييب” برامج التثقيف الاقتصادية  لتشتيت الناس ومنعهم من إدراك الفوضى السائدة في سوق البورصة. فبدلاً من توعية الفرد بشكل حقيقي تهدف هذه البرامج إلى تضليله. هذا “الاقتصاد الغبي” كما يسميه الكاتب، يغيّب عقولنا ويطحننا بالضرائب.    وكنتيجة حتمية لسياسة التافهين الاقتصادية تكون هناك آثار اجتماعية وخيمة كظهور شخصيات تعاني من أمراض نفسية مرتبطة حصراً بالنقود، مثل الجَشع والإسراف والطمّع وغيرها.    ويفرق الكاتب على المستوى الثقافي والحضاري مفهومين للاقتصاد، المادي والوجداني، موضحاً أن الأول أصبح يحكم الثاني؛ إذ لم تعد العفوية والحرية الانفعالية والرفاه العاطفي أمورا” ممكنة في منأى عن الحالة المادية، كما بات رأس المال مستحوذاً على كل حق بالرفاه الشعوري، إلى درجة لم تعد فيها حتى الفكاهة قادرة على النيل من النظام التافه.   تتجلى أدوات نظام التفاهة في المشاهير والأثرياء، الذين ينبرون إلى الدفاع عما يسببه من كوارث مدمّرة بيئياً وبشرياً. أما الفنان الحقيقي فيختفي، إذ أن المطلوب هو فن بلاستيكي يُنتج سلعاً فنيةً لا تعكس سوى صورة التفاهة الاقتصادية.    ويدعو دونو في نهاية كتابه الى ضرورة قيام ثورة شاملة على هذا النظام التافه الذي يقودنا إلى الانحطاط الأخلاقي والنفسي والمادي والاجتماعي والسياسي.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى