تقارير

تقرير السودان النفسي للعام 2022 وحلت الكارثة!! بمناسبة اليوم العالمي الصحة النفسية: على ماذا يحتفلون؟

كتب : على بلدو

يوشك عام 2022م على الانقضاء و الانزواء في ركن قصي من شجرة الزمن، و هو مثقل بالكثير من المحن و الأحن في واقع و تقرير حال الصحة النفسية و العصبية و الحالة الذهنية و الاجتماعية للمواطن و المواطنة في بلاد السودان , و التي وصلت الي درك سحيق و قاع عميق من التهاوي و الاضمحلال , و اصبح شعار العام هو , التلاشي في فضاءاءت العدم.
لن نتحدث عن شعار هذا العام و الذي خصصته منظمة الصحة العالمية تجاه الرفاهية للجميع، و هي كلمة لن نستطيع شرحها للمواطن الاغبش و المسحوق و المكتوي بنيران كل شئ و لو كان بعضنا لبعض ظهيرا.
و لن نكثر الحديث عن الصحة و التي هي في ذيل اهتمام أولى الأمر، و في ظل امتهان كرامة المواطن السوداني، في بلاد نامت نواطير ها عن ثعالبها، فقد بشمن و ما تفنى العناقيد.
تهادى العام المنصرم نحو نهاياته’ معلناً أن ما وصلت اليه الصحة النفسية من انهيار خلال الثلاث أعوام الاخيرة’ لم تصل اليه في ماضي الايام برغم كل الظروف المحيطة. و التي جعلتنا نلقي بهذا الحجر في بركة السكون و عدم الاكتراث من مسئولي الصحة و الذين لا حياة لهم حين النداء, سوي نيل الاوطار و الاسفار و صحبة الاشرار’ و لكنها كوة ضوء نفتحها و صرخة ً في وادي الصمت نطلقها و ان جعلوا أ صابعهم في آذانهم و لو أصروا و استكبروا استكباراً كعادتهم دوماً.
فمن ناحية ميزانية الصحة النفسية, وصل الصرف عليها الي صفر بالمائة من اجمالي عطية المزين و التي تلقي بها السلطة للصحة عموماً’ مما اثر علي سيرالعمل بالمستشفيات و جعلها بيئة طاردة للمريض النفسي و اسرته و مرافقيه و للطاقم العامل من ضعف و غياب الحوافز و تدهور بيئة العمل , و التي بدورها فاقمت من واقع الصحة النفسية و العقلية المتردي اصلاً.
كما أدي غياب قانون الصحة العقلية في السودان الي هضم حقوق المرضى و انتهاك حقوقهم و كرامتهم’ و الي وجود حالات المرضى المشردين و فاقدي السند في الشوارع و الذين وصل عددهم الي 180000
(مائة و ثمانين الفا) يهيمون على وجوههم و لا يجدون من يقوم على امرهم في زمان الحرية و العدالة المزعومتيين’ و ينجم عن ذلك ما يمكن ان يقوموا به من مطاردات للمارة و قتل و اغتصاب و تدمير للممتلكات و غيرها من الاشكالات و كما يكونون هم أنفسهم عرضةً للاستغلال البدني و الجنسي و ترويج المخدرات و كافة انواع الاذى و القتل.
كما تنامت ظاهرة الادمان و التعاطي و بصورة وبائية و لانواع غير تقليدية من المخدرات, اذ شهد عام 2022 نهاية عصر البنقو و بداية عصر الايس في السودان, و اصبح في كل بيت سوداني مدمن أو مُدمنة و لمراحل سنية صغيرة لطلاب في مرحلة الاساس و , بنسبة ادمان و تعاطي وصلت الي 24% من طلاب الجامعات و الكليات و المعاهد العُليا.و بالف حالة إدمان يوميا في البلاد، و انتقلت البلاد من دولة ممر و معبر لدولة مستقر، بل و مصنع للمخدرات.
و نجد أن حالات الاكتئاب النفسي و القلق أصبحت في تصاعد مُستمر’ ليكون واحداً من كل أثنين من المواطنين يعاني من هذه الحالة’ بينما اصابت هذه الحالة الاكتئابية نساء السودان في الغالبية العُظْمى منهن, لتصبح بحق, حواء السودانية من أتعس نساء العالمين.
و لم يقف الامر عند ذلك الحد, بل نجد ان الضغوط التي يعيشها المواطن على كافة الاصعدة’ قد ولدت حالة من عدم الارتياح النفسي و الشعور بالغبن و الاحباط و الذي يتمظهر في وجود اعراض دون سبب عضوي واضح و بالتالي الضغط علي المرافق الصحية المختلفة و استنزاف الموارد الطبية في الفحوصات و الاشعة , دون جدوى لدرجة ان عبارة(الفحوصات طلعت نضيفة), و ( الدكتور قال ما في حاجة)’ اصبحت العبارة السائدة هذه الايام و جعلت نسبة 65% من مرتادي المستشفيات العامة في السودان هم من المرضي القلقين و المتوترين و المكتئبين, و هم لا يعلمون و يفكرون في السفر للعلاج بحسب ظنهم.
و بجانب كل ذلك , و برغم ارتفاع مستوى التعليم ’ الا ان 99% من الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية و عصبية يتلقون العلاج علي يد غير اهل الاختصاص و ما يتسبب به ذلك من مضاعفات مختلفة, بجانب تعرضهم للتعذيب و الضرب و الحرق و الاستغلال الجنسي و الحبس و او الاعتقال.
كما ادى عدم الانسجام و غياب عيادات الفحص ما قبل الزواج الي تزايد حالات الازمات النفسية الحادة في ايام الزواج الاولى و ما يسمى بذُهان شهر العسل و الذي يصيب عروساً أو عريس من كل خمس زيجات و تؤدي للاذى و القتل و الانتحار و الاختفاء و رفض الحياة الجنسية.
و في نفس السياق, تمددت ظاهرة التنمر الاسفيري و العنف الافتراضي ليشمل الكثيريين و الذين اصابهم ما نسميه الفوبيا الاسفيرية و خوفهم من التعامل مع المواقع و الاسافير خوفاً من ذلك و الشعور بالرهبة و فقدان الثقة بالنفس و الانزواء و الانكفاء على الذات.
ونجد كذلك ارتفاعاً منقطع النظير في ما يمكن ان نطلق عليه العوارة الالكترونية و هي بث مواد غير ذات جدوى و محتويات ضحلة و ساذجة و سطحية و ملاحقة اخبار تافهة’ للخروج من حالة الملل و الضجر التي يعيشها البعض.
و ليس هذا فحسب بل تواصلت الهجرة للاطباء النفسيين , ليصل العدد الموجود فعليا الان في بلادنا الي عشرين استشارياً بواقع استشاري طب نفسي لكل ثلاثة مليون مواطن سوداني.و العدد في طريقه للنقصان اكثر في هذا العام , في ظل الهجرة المسعورة نحو الخارج.
كما ادت تداعيات ثورة ديسمبر المجيدة الي بروز اشكالات جديدة مثل متلازمة فض الاعتصام و ضحايا العنف الجنسي و توابع الصدمات المختلفة في المواكب و المسيرات و العنف و العنف المضاد و حالات الشرود و الاختفاء و عدم القدرة على التأقلم و حالة الاحباط الثوري و الهوس الجماهيري.
و لنعلم فقط أن مرضاُ واحداً كالفُصام أو الشيزوفرينيا يعاني منه في السودان حوالي مليون مواطن و مواطنة’ من يتلقون العلاج منهم و مُسجلين حوالي اربع و خمسون الفاً, أما الباقون فهم بيننا ’ و ما علينا الا ان ننظر خلفنا و امامنا و نقرأ لبعضنا.’ و نتابع معتركنا السياسي و قادتنا و نشاهد قنواتنا و نسمع اذاعاتنا, و حتماً سنعرفهم و بثمارهم تعرفونهم.
كما تمددت ظاهرة الانتحار و الاذية للنفس و طفشان الأزواج لعدم القدرة على الايفاء بمقومات و مستلزمات الحياة الزوجية كافة و الأبناء ولتكون الزوجات في مهب الريح و هوج الرياح.
كما تزايد ت حالات التحرش الجنسي و الاغتصاب للأطفال و الطفلات، و ان لنا أن نعلم بأن ما يصل للمحاكم لا يتجاوز واحد بالماية فقط من الحالات الحقيقية، خوفا من الكثير من المحاذير، و التي تجعل هذه المشكلة وباءا صامتا يمشي بينتا.
و في الجانب الاخر نجد افرطا من الفتيات في استخدام حبوب التسمين و مستحضرات التجميل المختلفة مما ادخلهن في أوضاع صحية خطيرة كالفشل الكلوي و اضطرابات نفسية خطيرة مثل ذهان شهر العسل الحاد و الذي أصبح يصيب اثنتين من كل عشرة عروسات.
و لا يخفى علينا ما نشاهده و نسمعه من أن انحرافات سلوكية خطيرة، كالغناء المايع و ارتداء الملابس الفاضحة ذكورا و اناثا، و الرقص الخليع و تشبه الرجال بالنساء و العكس، بجانب المجاهرة بالشذوذ الجنسي و عمل اللايفات و الفيديوهات عنه و بل عمل قروبات و مجموعات اسفيرية خاصة بهذه الافة الاجتماعية الخطيرة و التي تمددت بصورة تدعو للقلق و تحتم عمل المعالجات لها، لضمان سلامة المجتمع و تنقيته من هذه الشوائب.
و ختاما، سيمر اليوم كباقي الايام، في بلاد المواكب و الضرائب و العجائب و الغرأئب، و ستمضي سحابة العاشر من أكتوبر في أرض الورش و بلاد اللجان و ارض الوقفات و المبادرات و الاتفاقات، و لن يذكر احد مما قلنا خردلة في بلاد ليس فيها اتفاقية أو معاهدة تم احترامها الي حد ما سوى اتفاقية البقط، و ليس فيها قانون فاعل سوي قانون الجاذبية لنيوتن، حيث تظل حالة الوطن النفسية على عجل الحديد و عايرة و ادوها سوط.
عفوا الأساتذة الكرام و الزميلات و الزملاء الاعزاء و طالباتنا و طلابنا في هذا المجال، و لكن عذرا، على ماذا تحتفلون، و انتم سامدون و تضحكون و لا تبكون!!

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى