مقالات

محمد أمين أبو العواتك يكتب : مع المحبوب.. واستحقاق المراجعات (١)


مرّر إليّ الأخ الحبيب محمد المهدي النجومي رده المستنير على مداخلة لأحدهم في إحدى المجموعات، وكالعادة كانت المداخلة (متجاوزة) الفكرة إلى ما عداها وهو (مرضنا العضال) تعقيباً على مراجعات الأخ المحبوب عبد السلام التي تمثل إرادة الفعل المطلوب لأهل تياره ، وظل هو عاكفاً عليها منذ سنوات في أعقاب (التجريب المرّ) في حياة أهل السودان وأثره الإقليمي والدولي، وهو استحقاق يظل ملحاً ومطلوباً إلّا أن (بعضهم) قد تجاوزه ابتداراً للفعل بما ينبئ بشكل المآلات المستقبلية لهذا التيار وجغرافيته، لتصير التجربة إضافة لحكايات السودان التاريخية الحزينة التي تنكبت الطريق، مما يؤشر إلى الخلل الأساس في المرجعية والمنهجية والمقصد لأهله على حساب المراجعات الشاملة وأولويتها، قبل الدعوة لأي فعل جديد لمن لا تزال لهم أشواق للتدافع تحت ذات (الراية المحترقة) بالنيران الصديقة وظلم النفس قبل الآخرين!! لتصير التجربة وغالب جمهورها مكبلين للأسف بأغلال (آفة القرون) التي عانت منها كل نسخ هدي الرسالات السماوية المتتالية في إشكالات الإتباع وتبديلهم لها بما هو أدنى حظوظاً للنفس ومطامعها، وظل ظني حسناً في أن أرى بين يدي هذه التجربة الطويلة انتظام المراجعات العميقة في الفكرة عند من يدعو (لحاكمية القيم) منشورة ومبذولة في كل ساحات بلادي بكل صدق وشفافية مع إنسانه وكل صاحب حق ومظلمة.. لكنه السلطان والملك الذي ظل على الدوام نقيضاً لهدي الأخلاق وحرية الإنسان قابضاً بتلابيب مجتمعات الإنسانية لتظل أسيرة تحت سيوفه وإن اختلفت ألوانها وأشكالها!
وتظل مراجعات الأخ المحبوب محل اهتمامي حتى قبل كتابه الموسوم “دائرة الضوء وخيوط الظلام”، ولعل الخيوط اليوم قد صارت (حبالاً وقيوداً) تكبل مسير أحد أهم النخب التي سادت في فترة ما بعد جيل الاستقلال، لتقع في شرك “آفة القرون” الأتباع وأهوائهم، ويظل هو من ابتدرها بكل شجاعة و عاكفا عليها متمثلاً بما قال صلاح أحمد إبراهيم في ذلك البوح (رجل واحد شجاع يساوي أغلبية)، وستتواصل المثاقفات حولها لكل طالب حق وقلبه معلق بالنور إن عرف المرجعية الحق والمقصد الأمل.
قلت للأخ النجومي من وحي حديث سابق كتبت ذات حروفه إلى أحد أصدقاء الروح والفكرة، وهو الدكتور عصام محجوب الماحي، بعد أن شكرته على كلماته التي هي من فتي مُعلِّم، مؤدب، حفيّ بالناس والتجارب، وليس ذلك بغريب عليه وأسرته وأهله.
وهي واحدة من محطات التشابه والالتقاء، فهكذا كانت التربية من رجال بذلوا ما يَصْنع الفرق وما ادّخروا جهداً ليحدِثوا الفرق في الامتدادات الزمنية اللاحقة، لذا كان الهدي والاستمرار بعدم انقطاع عملهم بسعي الأبناء.
وفي ضرورة الإضافة وإهداء اللمسة التي تصنع الفرق في الناس والأشياء.. حتى وإنْ كانت حروفاً مكتوبة أو منطوقة.. حتى ولو توجيهاً بسيطاً في ما يفيد إذا طُلب (إذا استنصحك)..
مأساة أهل السودان والأمة وتواضع النخب مع آفات النفس يظل بالغ التأثير في الارتقاء إلى الأمام تقدماً في المسير إلى مجتمع الأخلاق الفاضل مقصد الدين على هدي الحرية، وهو أمر مع الأيام صار شديد الوضوح ويؤشر إلى احتياج المعرفة الأصل وليس الشكلية، والأهم القدوة التي تجسد الأخلاق، وما ابتليت مشروعات الاجتهادات المختلفة إلا بمجافاتها لمرجعية (القدوة والأسوة الحسنة وعصمتها) صلوات ربي وبركاته عليه ووالديه وآله عند أهل الرسالة الخاتمة، المرسل كافةً للناس على إطلاقهم بلا تمييز جنس أو لون أو دين، بلا إكراه بحرية تامة في الاختيار.. لأن الأفضل جاذب بطبعه ولا يحتاج للإكراه عليه، وهو قدوة ومنارة الهدي الذي يختط الطريق ولا يوجد من من يفضله في قول أو فعل فرداً أو جماعة أو تنظيماً وإلّا لصار هو المرجعية، والفهم والممارسة الخاطئة هنا ظلت هي المفارقة الكبرى وفيروس الممارسة قديماً وحتى اليوم.
إنه زمان الأسئلة الكبرى:
أين نحن من دين الأخلاق وقدوة الرسالة الممدوح بالأخلاق العظيمة؟
وإلى أين قادنا إدماننا وتجريبنا لمناهج السلطان التي تجافي مقصد الدين عبر القرون؟
سنوات الانتقال في الأزمان والأفكار وتغييب المرجعية أو اختطافها، كما في حالتنا المستعصية، تغييباً لمرجعية الأخلاق وتغليباً لموروث السلطان وتراثه الزائف، ستظل هي الآفة الماحقة والبلاء المقيم فينا، والسبب في تذيلنا الأمم والتصنيفات، بل حبسنا في مربع الشقاء، ويزيد الأمر صُعوبة عندما تُبْتلى بمعوِّقات الماضي التي لا تزال تشدّك إلى الوراء رافضة التخلي عن تأثيرها أو الإفلات عن سيطرتها، ويزيد الأمر سوءاً تواضع الفهوم أو اعتكافها في كهف الفكرة التي تتحول بمرور السنوات إلى طائفة أو عصبية، وتنزوي الفكرة تحت سطوة الطقوس والشكليات وتتحول إلى صنم يُعبد، لتصير نقيضاً للفكرة الأصل، وهو حال الأمة حتى تاريخها الحديث.. إنه بالفعل زمان الأسئلة الكبرى!
في السابق، عندما نكتب محللين الواقع ونستعرض بعض العوامل الكونية، يُنظر إلى ما نكتب بغرابة وعدم اكتراث لولع الناس بالمادية أو المحسوس أو شغفهم فقط بآفة العصور (السياسة) التي أسميها السلطان ولا يوقِّرون سواها، وعدم فهمهم أو تقبلهم إيراد المعاني الكُبرى وكأنها خارج السياق والحسابات التي عندي لها الحاكمية، فلا تزال أقدار الله ترُد الناس إليه وإلى مرجعية الغيب الكبرى، وهكذا هو الحال على الدوام عندما ينفذ الله قدره في الأشياء يسلب أهل الحجا عقولهم، فتتواضع مرجعيات العلوم البشرية وإمكانيات القوى العظمى الأرضيّة البشرية كما هو الحال اليوم!
نحن بلا شك أمام استحقاق كبير دخلنا زمانه، وابتدأت سلسلة التغيير الذي لا يخضع لقانون أو منطق أو معرفة بشرية محدودة، كتبت عنه في داخل عدد من المقالات وفي مداخلات متعددة برامجية تلفزيونية أو تفاعليه في الوسائط، وأمامنا الكثير من الأحداث المتنوعة بمثل ما نشهد وأكثر، فالإنسان ينسى أو يتناسى أحداث الاستخلاف على الأرض وقصة السير الرئيسة في الحياة ولحظات تحولاتها الكُبرى في مجتمعات الإنسان المختلفة على مراحل نموها وتشكُّلها ونذكِّر بها دائماً، فعندما بلغ السحر ما بلغ بين العالمين كانت “عصا موسى” لرِدِّ الناس إلى ما هو أعظم وأكبر، وأيضاً عندما بلغ الطِب ما بلغ كانت قدرته في مَن “يحيي الموتى وإبراء الأكمه والأبرص”، والخاتمة الشاملة المهيمنة عندما برعوا في اللغة والفصاحة والبلاغة كانت معجزة “القرآن” مصحوباً بالأخلاق العظيمة لقوم أشد كُفراً ونِفاقاً.. كتاب شامل ما فرّط الله فيه من شيء والذي فيه الطريق للمجتمع الفاضل مقصد الاستخلاف الإلهي الذي بشّرت به كل الرسالات بلا كهنوتية أو سلطوية، بل بالأخلاق التي مدح المحبوب الأعظم بعظيمها.
هي حيرة كبرى تاهت فيها كل الأمم لأنّها تنكّبت طُرق الهدي المختلفة التي كان فيها البيان والتبيان، وبوضوح وتفصيل وفضلت دروباً أخرى مليئة بما هو أدنى على الذي هو خير، وتلك هي المشيئة الإلهية العُظمى التي تتقاصر دونها ويتقزّم أمامها اليوم الإنسان الخليفة بما بلغه من مرجعيات علوم ومعارف وتطور.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى