تقارير

*بُعْدٌ .. و .. مسَافَة* *مصطفى ابوالعزائم* *مع سعدالدين في ملتقى الفنون ..*

 

ست سنوات مرت منذ أن رحل عن دنيانا الأخ والصديق المبدع الشاعر والكاتب الدرامي القاص الأستاذ سعد الدين ابراهيم ، الذي توفي في الثاني عشر من مايو عام 2016م ، وقد كتب بالأمس القريب عن ذلك ، صديقنا الصحفي الكبير الأستاذ نوح السراج ، في واحدة من مجموعات تطبيق الواتساب ( ملتقى الفنون ) الذي يضم صحفيين ونُقاد وشعراء كبار ، تجمعهم كلهم علاقة بالراحل المقيم الأستاذ سعد الدين ابراهيم علاقات صداقة ومودة ؛ وبدأ الزملاء والزميلات الكرام في تناول السيرة العطرة للصديق العزيز صاحب” العزيزة” الأستاذ سعد الدين ابراهيم ، بل وأعاد الأستاذ نوح نشر حوار جميل سبق أن أجراه معه قبل سنوات ، فهاجت الذكرى ، وتسابق الجميع للكتابة عن أخ وصديق مبدع لم يزل مقعده شاغراً في دنيا الإبداع ، ولم أجد أفضل من مقال كتبته عن أخي وصديقي العزيز سعدالدين من هذا المقال الذي تقرأ فيه الآن ، إذ سبق أن إتصل عليّ أحد أبنائنا من إعلاميينا الشباب ، وقال أنه يعد لسلسة من الحلقات الإذاعية الخاصة عن حبيبنا وصديقنا وزميلنا الأخ الكريم الراحل الأستاذ سعد الدين إبراهيم ، وأنه يريد مني بعض الإفادات حول الأستاذ سعد الدين ، على إعتبار أننا اصدقاء منذ عهود الصبا الأولى .
قلت لإبننا الشاب المجتهد ، إن صديقنا سعدالدين توفي في مايو من العام 2016 م ، في شهر صيف ساخن يرحل فيه الكثيرون لحكمة يعلمها الله ، وقد مات “سعد الدين إبراهيم ” فجأة ، رحل هكذا مع أنوار الفجر الأولى ، وكان الرحيل مزلزلاً ليس لأركان منزله في أقاصي حلفاية الملوك ، بل كان مزلزلاً لوجدان أمة الثقافة والآداب والفنون في بلادنا.
رحل الأخ والصديق والزميل الأستاذ “سعد الدين إبراهيم” وهو يحمل لافتته الأشهر (النشوف آخرتا) وهي إسم أو عنوان مقاله اليومي الذي كان ينشره في الصحف ، وكان رحمه الله يعلم ونحن نعلم أن (آخرتها كوم تراب).. هذه هي الدنيا الغرارة الغدارة ، الخداعة المكارة ، المعطيةُ المنُوع الملبسة النزوع ، التي لا يدوم رخاؤها ولا ينقضي عناؤها ، لكنها لم تغر صديقنا العزيز صاحب “العزيزة” ، فقد عاش إنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ ، ومات كذلك ، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق بين الناس ، ويزاحم في حافلات العربي ، يمازح هذا ويضاحك ذاك ، وعاش داخل (الحيشان الثلاثة) صديقاً للجميع ، وتراه مع أهل الدراما فتتأكد أن ذلك هو عالمه ، وتراه مع أهل الموسيقى والغناء فلا ينتابك أدنى شك في إنتمائه إليهم ، وتراه وسط الشعراء فلا تعتريك الريبة قط في أنه زهرة بستانهم النضير .. وأما في عالم الصحافة ، فقد كانت له لونيته وتميّزه ونكهة مداده الخاصة ، وصوره التي لا تنطلق إلا من خيال فنان .
رحم الله الأخ والصديق العزيز الذي تعود علاقتي به إلى أيام الصبا الأولى ، وإن كان يتقدّمنا قليلاً ، لكننا كنا (أصحاب) ، عرّفني عليه صديقنا المشترك إبن رفاعة الأصيل الأخ “الرشيد الجزولي حاج عمر” _ رحمه الله _ و.. (من ديك) تقوت العلاقة وتمتّنت ، وكلما تقدم بنا العمر كانت علاقتنا تقوى ، وليس للمرء في هذه الدنيا إلا إخوانه وخلانه.. وتوسّعت دائرة الصداقة لتشمل صديقنا المبدع الذي رحل في باكورة الصبا “سامي يوسف” وتضم الأساتذة “محمد نجيب محمد علي” و”مختار دفع الله” و”عبد الوهاب هلاوي” و”شكر الله خلف الله” وعبد القادر الكتيابي” وأسماء.. وأسماء.. وأسماء.
كنا نعرف أهواء بعضنا البعض ، نأكل العصيد وننشد القصيد ، وأنشأنا من أجل ذلك المنتديات الأدبية وصوالين الشعر والسمع النظيف مع نجوم زاهرة كان من بينها الأساتذة الكبار “حسن الزبير” و”التجاني حاج موسى” و”أبو قرون عبد الله أبو قرون” والراحل “زين العابدين أحمد محمد” و”عبد الله البعيو” و”سيف الجامعة” و”حسين شندي” و”محمد ميرغني” و”الماحي سليمان” و”حسين خوجلي” و”فتحي الملك” وإحتفى بنا الكبار في ذلك الزمان بدءاً بـ”محمد بشير عتيق” مروراً بـ”خالد أبو الروس” و”عبيد الطيب” و”مبارك المغربي” رحمهم الله تعالى.
و كان “سعد الدين” يحرّضني على نشر الشعر فأدّعي أن الشعر سيسجنني في أقفاص الكلام والمفردات الشعرية ، ويسدّ علي الطريق الذي إخترت أن أسير فيه ، وهو العمل في الصحافة ، فكانت تتقمّصه روح المعلم والأستاذ ليقدم النصح والإرشاد ليقول إن هذا لن يضر ، بل ينفع .. ولم أعمل بنصيحته تلك ، وعرفه الناس شاعراً ومؤلفاً درامياً ومعلماً وقاصاً وصحفياً ، عرفوه كتلة ملتهبة من المواهب.. فأضاء في كل درب سلكه .
لم أشارك أحداً في كتابة قصيدة واحدة ، إلا أخي وصديقي “سعد الدين” وذلك عند وفاة أستاذ الأساتذة الجهبز الرقم أحد أعظم شعراء الأغنية السودانية أستاذنا “حسن الزبير”، وقد فجعنا بموته آنذاك مثلما فجعنا بموت “سعد الدين” من بعده لاحقاً ، كنت أكتب المطلع فيكمل “سعد الدين” الذي يليه.. وهكذا، لكنني طلبت إليه أن يجعل اسم شريكه في تلك القصيدة سراً ، فكان يحتج وأتشدد ، وإن كنت الآن لا أذكر منها إلا مفردات دامعة منها:
انكسر مرق الكلام
وطارت حروف الريدة حرف.. حرف.. أو هكذا كانت..وقد تم نشر تلك المرثية الدامعة في أخيرة الغراء ” أخبار اليوم ” .
رحم الله “سعداً” وغفر له وعفا عنه وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. وجعل البركة في إبنيه “محمد” و”إبراهيم” وشقيقاتهما، وفي رفيقة دربه زوجه المصون وألهمهم وآله وأصحابه وجيرانه وإخوانه الصبر والسلوان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
وهذه رسالة في بريد لن يقرأها المرسل إليه:
أخي “سعد الدين”.. قبل أشهر قليلة مضى شهر رمضان المعظم .. ولا زالت الذاكرة تضج بالصور المبهرة ، وحيوية أيامٍ نضرة ، لم نفترق خلالها طوال ثلاثين يوماً .. عندما كلّفنا تلفزيون السودان ذات شهر مبارك مضى ، ممثلاً في الأخ والصديق العزيز الجنرال الأستاذ “حسن فضل المولى” بإعداد ثلاثين حلقة رمضانية تبث على الهواء مباشرة بإسم (صالون رمضان) أبدع في تقديمه صديقنا العزيز الأثير السفير الأستاذ “علي مهدي”، نجحنا خلالها في إستضافة كل الفئات والشرائح التي إتصلنا عليها ، وقدمنا آخر حلقة لتكون أطول حلقة برنامج في تاريخ التلفزيون إمتد زمن بثها من بعد الإفطار ، إلى نهاية الإرسال حيث لم يوقف البث إلا النشرات .
مضى الأخ الكريم سعد الدين إبراهيم .. لكننا لا نجزع ولا نخشى عليه ، لأنه بين يدي غفور رحيم عظيم حليم .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى