الأخبار

الانتخابات النصفية الأميركية وتأثيرها على الشرق الأوسط بروفيسور صلاح محمد إبراهيم

بدأت يوم الثلاثاء 8 نوفمبر انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب و الشيوخ ( الكونجرس) على 435 مقعدا في مجلس النواب بينما يجري التنافس على 35 مقعداً في مجلس الشيوخ، وتتم انتخابات التجديد النصفي كل عامين ويدخل فيها اختيار حكام 36 ولاية من أصل خمسين ولاية وهي تعتبر استفتاء على أداء الرئيس وقبول لسياسته ، ولكي ما نفهم تبعات هذه الانتخابات على منطقة الشرق الأوسط لابد من تتبع التطورات التي حدثت في علاقات واشنطن مع دول المنطقة منذ فترة الرئيس أوباما مروراً بالرئيس ترامب وحتى وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، خاصة أن الحزب الجمهوري إذا ما استطاع أن يحرز اغلبية في مجلس الشيوخ سوف يؤدي ذلك إلى تعقيدات كثيرة أمام الرئيس بايدن، وسياسته في الشرق الأوسط.

سياسة أوباما ( Obama Doctrine )
شهدت فترة الرئيس باراك أوباما الذي تم انتخابه عام 2008، تحولات كبيرة في السياسة الأميركية لعل من أهمها ظهور بوادر تراجعات في منطقة الخليج مع زيادة الاتجاه بقوة نحو تعزيز الشراكات الاَسيوية في ظل تمدد الصين في جنوب المحيط الهادي ، ودعم هذا الاتجاه الزيارة التي قام بها أوباما في 27 مايو 2016، كأول رئيس أميركي يزور مدينة هيروشيما اليابانية التي ضربتها القنابل الذرية الأميركية في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945،وقد حدث ذلك في ظل العديد من الاضطرابات التي كانت تجتاح بعض دول الشرق الأوسط، وتقليص وجود القوات الأميركية في منطقة الخليج بعد الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق، وإرسال إشارات لدول المنطقة بضرورة مشاركتها الفعالة في حماية أمن المنطقة ، كما عملت واشنطن على إتباع سياسة جديدة مع إيران قائمة على الحوار ، وهو ما أشار إليه بعض خبراء الاستراتيجية الأميركية منذ بداية فترة الرئيس أوباما الذين قدروا أنه لا تتوفر فرص بديلة أخرى ناجحة مع إيران، ويبدو أن السياسة الجديدة لإدارة الرئيس أوباما هدفت إلى محاولة استيعاب إيران في نظام إقليمي جديد في المنطقة، شريطة التزام إيران بتفكيك برنامجها النووي وإتباع سياسة سلمية مع جيرانها واستمالة إيران عن طريق تخفيف العقوبات عليها .
ركزت استراتيجية الأمن القومي الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما ( Obama ) عام 2015، على عدم التوسع في استخدام القوة العسكرية ، وطالبت بالعمل الجماعي ضد التهديدات الدولية الماثلة ، كما أن هذه الاستراتيجية لم تركز على إقليم جغرافي معين ، بل كانت غامضة في تحديد المصالح الأمريكية وقدمت أولويات يمكن أن تسمى أولويات متوازنة ومتنوعة، وفي ذات الوقت تحدثت عن تحالفات وشراكات مع دول أخرى، كذلك ركزت سياسة الرئيس أوباما على التهديد الإرهابي الذي اجتاح بعض دول المنطقة ، واعتقدت الإدارة الأميركية أنه التهديد الذي يجب أن يحظى بالأولوية، وهي مخاوف شاركتها فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، غير أن واشنطن ظلت تتجاهل وتقلل من أهمية التمدد الإيراني في المنطقة ودعمه للنظام السوري والحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان ، وواضح أنها تلكأت في اتخاذ موقف قوي تجاه الأوضاع والتدخل الروسي والإيراني في سوريا ، وتعتقد دول الخليج أن ذلك النشاط الإيراني يهدد الاستقرار والأمن في المنطقة ، وأن الاتفاق النووي الإيراني قد مهد لزيادة هيمنة إيران على المنطقة.

تم عقد قمة كامب ديفيد بين الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بين 13-14 مايو 2015، وذكر السيد أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت بأن القمة قامت بتشخيص التحديات المشتركة وخلق الأجواء والاَليات المطلوبة للتصدي لها والعمل على تطوير الشراكة بين الطرفين ، وأن السياسة الإيرانية الإقليمية وخططها التوسعية كانت محوراً أساسياً في القمة ، تعززت قمة كامب ديفيد باللقاء الذي تم بين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس باراك أوباما بتاريخ 4 سبتمبر2015 في واشنطن.

سياسة ترامب

منذ ترشحه للرئاسة الأميركية عبر دونالد ترامب عن توجه انعزالي وأكد ذلك بعد انتخابه بتصريحات تشير إلى تخفيض الإنفاق العسكري الأميركي على حلف الناتو وعدم الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والابتعاد عن تبني النظرة التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية التي تعلى من القيم الأميركية، وكان يرى ان مشاكل أميركا الاقتصادية سببها الصفقات التجارية غير المتكافئة خاصة مع الصين ، وهناك اعتقاد أن سياسات ترامب ومعتقداته تعود إلى تربيته الدينية وقلة خبرته السياسية.

واجه ترامب تحديين رئيسيين في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط ، الأول الأزمات والخلافات الإقليمية ، والثاني طبيعة التعاون مع الدول الفاعلة في المنطقة ، وكان ترامب قد أعلن في 2017 من خلال استراتيجية الأمن القومي أن سياسته في الشرق الأوسط تقوم على مواجهة التهديدات الإيرانية ومكافحة الإرهاب وتعزيز الشراكات وتقاسم الأعباء مع دول المنطقة، وعلى الرغم من الخلافات حول الحرب في اليمن والأزمة السورية إلا أن العلاقات مع دول الخليج ازدادت قوة ، فالمصالح الاقتصادية مع دول الخليج أكبر من أن يتم تجاوزها وتم عقد العديد من صفقات السلاح ، وتبني موقف متشددا تجاه إيران وتدخلها في المنطقة انتهى بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.

سياسة بايدن

عندما أدى الرئيس بايدن اليمين الدستورية في 20 يناير 2021 كرئيس للولايات المتحدة الأميركية وجد أمامه ثلاثة خيارات رئيسية أولها الموقف من إيران والذي لا يمكن اختزاله في قضية الملف النووي، فهناك التدخلات الإيرانية في دول المنطقة وتطوير أجيال متقدمة من الصواريخ، وثانيها التوترات الإقليمية التي تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية، وثالثها الحفاظ على أمن الطاقة والنفط الذي أصبح مستهدفاً من أعداء واشنطن .

جاء الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في ظل انقسام داخل الولايات المتحدة وأزمة اقتصادية ،ولكن تؤهله خبرة سياسية طويلة من خلال عمله في الكونجرس وكنائب للرئيس اوباما ، وفي ظل توجه أميركي للتوجه نحو الشرق الأقصي مع تنام وصعود كل من الصين واليابان ، والهند ودول جنوب شرق اَسيا ، واعتمد بايدن في سياستة على إعلاء القيم والمصالح الأميركية، وعدم اللجوء للقوة العسكرية لمواجهة التحديات التي تقابل السياسة الخارجية الاميركية والابتعاد عن الحروب الشاملة التقليدية والتركيز على الدبلوماسية ورفض الانعزالية للرئيس دونالد ترامب ، والعمل على التوصل لحل حول الملف النووي الإيراني وتقترب سياسته من سياسة كل من الرئيسين الديمقراطيين كلينتون واوباما في العودة للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني ، ويمكن تلخيص سياسة بايدن على النحو التالي:

1- أنه يختلف عن ترامب في تبني نهج مختلف عن السياسة الانعزالية التي اتبعها سلفه وعودة أميركا إلى العالم بدلاً من منهج أمريكا أولاً.
2- تعزيز العلاقات مع دول جنوب شرق اَسيا.
3- إعلاء القيم الأميركية وحقوق الإنسان والديمقراطية في التعامل مع الدول الأخرى.
4- النأي عن استخدام القوة العسكرية لحل مشاكل السياسة الخارجية الأميركية.
5- التوصل لحل مع إيران حول الملف النووي الإيراني وفقاً لشروط جديدة.
6- أهمية دول الخليج بالنسبة للولايات المتحدة، وقد أثبتت عملية الإخلاء التي تمت في أفغانستان ضرورة وأهمية التعاون الخليجي الأميركي.
7- التمسك بعدم حصول إيران على السلاح النووي.
يعتقد الكثير من المراقبين أن نتيجة التصويت بالنسبة لعضوية مجلس الشيوخ سوف تكون متقاربة، وقد تلاحظ أن الرئيس ترامب كان نشطاً في حملات الحزب الجمهوري، وفي حالة حصول الحزب الجمهوري على اغلبية، فإن الرئيس بايدن سوف يستمر في تجاهل بعض قرارات الجمهوريين في الكونجرس من خلال حق الفيتو الذي يملكه كرئيس في البيت الأبيض.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى