أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. السودان .. جمهورية الشيوخ !

قبل أيام قليلة عرفت إحساس والديَّ ـ رحمهما الله ـ وأنا احتضنهما مودعاً ومغادراً ومهاجراً في أرض الله الواسعة قبل ربع قرن من الآن ، لم يذرف أيٍ منهما دمعة ، بل كان كل منهما يشجّعني بطريقته ويبتسم في وجهي ، ويحاول أن يخفّف عني ما يمكن أن يكون قد ثقُل في قلبي ، من همٍّ مُقيم ؛ وأحسب أنهما كانا يقرآن ما يدور بخاطري .. ولم أذرف دمعة ، فقد نشأنا في بلد تعتبر دموع الرجال عيب.. وضحك الرجال «بكا».
أحسست بما في دواخل ابني «محمّد»، وهو واسطة العقد بين أشقائه ، أحسست بما يجيش في صدره ، وهو يحاول أن يرسم إبتسامة على وجهه ، وهو يودّعنا ليعود إلى مهجره الذي إختاره قبل ثلاث سنوات ، رأيته وهو يقبل رأس والدته ، وأكف أصغر مولود لدينا ، ” إياد” إبن شقيقه الأكبر .. الأحداث تتشابه وإن إختلف الشخوص ، فقد بدأ ابني «محمد» رحلة الهجرة إلى وطن بديل ، بعد أن إستعصت عليه فرص العمل في بلاده ، وهو الخريج عالي التأهيل ، الحاصل على مرتبة الشرف والذي نال دورات تدريبية عدة في مجالات مختلفة ، تتصل بدراسته للعلوم السياسية.
طائرة الليل البهيم لم تقلّه وحده من بين أحضان أسرته الدافئة ، إلى حيث زمهرير الغربة «البطّالة» ، فقد خرج معه من بوابة الخروج نفسها أبنا خالته «رواد» و «إسلام» وسبقهما ابن خاله «محمد» وابن عمته «مروان» ، وكثير من زملائه وأصدقائه ، ولا نعرف من ستأخذه المنافي من بيننا ، ونحن لا نملك أن نقف أمام تطلعات أبنائنا ورغباتهم في تحسين أوضاعهم العامة.
شبابنا الآن يقفون عند بوابات المغادرة ، والقضية ليست شخصية أو خاصة ، فنسبة البطالة حسب الإحصاءات الرسمية التي أعرفها من واقع البيانات ، بلغت نحو «80%» وربما أكثر ، وما زلنا نتحدث ونملأ الدنيا ضجيجاً بمشروعات تشغيل الخريجين ، أو تمويل مشروعات الشباب ، وفتح فرص العمل العام والخاص أمام شبابنا ، لكن ذلك كله لم يقف مانعاً للهجرة ، فقد هاجر قرابة العشرين ألف شاب وخريج خلال عام واحد ، هرباً من جحيم العطالة ، وعدم إلتفات الدولة الجاد لأخطر قضايا الشباب ، وهي العطالة ، ومنها تتفرع أمراض اجتماعية خطيرة نعرفها لكننا نغض الطرف عنها.
المشاكل لن تحل نفسها بنفسها ، لا بد من أن نتدخل بدراسة المشكلة والظاهرة ، ونحللها ، ونقدم مقترحات الحلول ، لكنني على ثقة تامة أن أبناءنا لن ينتظروا «اللّت» و «اولعجن» الذي نقوم به داخل قاعات المؤتمرات ، وإهتمام الساسة بالصراع على السلطة ، والإهتمام بقضايا إنصرافية تضر ولا تنفع ، بينما بلادنا تشيخ .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى