مقالات

لقد كان حقاً شريفاً ونبيلاً بقلم : علي يوسف تبيدي

كان الشريف حسين الهندي قائدا استثنائيا بحق ، مبدئيا في مواقفه ولو أدى ذلك الى حتفه ، شجاعا دون رهبة ، مناضلاً جسورا لأيتهيب المواقف ولاالرجال ، عزيز النفس ذليلها لاتغريه “سلطة مغمسة” في الدكتاتورية ، كما ولغ فيها المتنطعين دون كسب ، لقد كان حقا شريفا ونبيلا.
الشريف حسين مدرسة في السياسة السودانية، لن تتكرر ، فكراً وطنياً سويا بغير انحراف أو اغتراب ، قريبا من تطلعات وهموم الناس دون تكلف أو مداهنة، تجده يتوسط البسطاء على الارض دون ترفع ، ولا أبالغ أن قلت لم تنجب ارض السودان قائدا مثله.
تربى على هذه المدرسة الفريدة من نوعها اجيال واجيال من الإتحاديين ، منهم من تعثر وسقط ، وأغرته الدنيا ومكاسبها الرخيصة الزائلة ، وكثيرون صمدو متمسكين بوصياه وقسمه المغلظ، “والله لو امتدت يدي لتصافح يد ديكتاتور متسلط لقطعتها بيدي الاخرى” ، وما كان للشريف أن يفعل ذلك ، ولن يفعل ذلك.
حياته كتاب مفتوحا ومشرفا ، ليس فيه مايخجل ويعيب ، صحيفته قوية ونظيفة مبسوطة للكل، غير ملوثة بادران التدليس والكذب والفساد ، كان له أن يحيا مترفا ومنعماً ومرفها في دعة ، كما يحيا النبلاء وأصحاب الحظوة والإرث ، فهو الشريف ابن الشريف ، ولكنه آلى على نفسه ، أن يختار طريقا وعرا وشاقا ليخلص شعب السودان من المتسلطين الفاشلين النزقين ، وكان نعم القدوة والهادي على الطريق.
رحل الشريف وترك سيرة حسنة وارث يفتخر به ، ومبادئ لم يتمثل بها الكثيرون ، رحل كما يرحل الشجعان ، لم تصاحبه اللعنات بعد مماته كما لاحقت الكثيرون من القادة السودانيين .. وكثيرون انتظروا رحيله وغيابه عن المشهد ، اولئك الذين لايحفظ لهم التاريخ ، لاموقفا مشرفا ، ولاسيرة مشرفة تمشي بين الناس ، والعظماء دائما مايتركون خلفهم مايذكر الناس بهم ، وهكذا كان الشريف عظيما بين اهله.
ليسو الاتحاديون وحدهم من تشربوا من هذا الفيض الدفاق ، وانما كل السودانين ، نهلوا منه مامعنى حب الوطن وعشق الارض ، وبذل النفس رخيصة في حضرة الوطن ، وتعلموا منه ان النضال طريق طويل له نهاية مهما طال.. رحل بعد أن وضع نهاية لحكم النميري ، بثورة وطنية رسم خطوطها ومعالمها الشريف ، فقد كان متيقن أن هذا اليوم ، ولكاني اراه في ذلك اليوم يتقلب في قبره مزهوا بما ترك من غرس ، جسد معاني الاستلهام بالنضال حتى الرمق الاخير .
الشريف حسين الهندى ، رجل يضيق به ثوب الحزبية ، لو مده الله في أيامه لكان رمزاً وطنيا لكل السودانيين ، ولضاق به أي كيان أوتيار مهما اتسع ، ولكنها إرادة الله أن يأخذه في وقت معلوم ، ليجعل منه مثالا حيا يتمثل به أصحاب المبادئ ،
كل ماحلت ضائقة ونائبة بالسودانيين تحت وطأة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية الظالمة والمتسلطة ، يأتي ذكره استلهاما لافكاره النيرة في إيجاد الحلول المتزنة بغير تطرف ، حلولا تنصف الضعيف وتكفل للفقير والمعدم حياة كريمة ، ذهنية خارقة في الحساب والتقديرات المنصفة ، ولا ابالغ في القول أنه سبق الكثير من القادة الافارقة والعرب في الانتباه الى محركات الشعوب للثورات ضد الظلم والفسدة ، وبند العطالة يقف شاخصا يحكي عظمة هذا الفكر القارئ لكف المستقبل.
عرفته شعوب القارة الأفريقية ، قبل ان تعرفه قادتها ، مساندا وداعما لها في معارك التحرر الوطني من الاستعمار البغيض ، وكان لا يألوا جهدا أن يستقطع من وقته وماله وعلاقاته ، ان يقدم لها كل مايعينها على الفكاك من ربغة الظلم.
خطيب زرب اللسان مفوهه ، قوي الحجة والمنطق ، لاينطق ساقط القول ترفعا وتأدبا ، ذهن متقد حاضرا يسوقك اينما اراد ، لاتملك الا أن تتقلب بين يديه ذات اليمين وذات الشمال ، يسحرك بحديثه السلس ، سخر كل ثقافته وادبه في خدمة الناس ، هكذا عاش وهكذا رحل.. وايما الله انه لعظيم.
برحيله فقد حزب الحركة الوطنية مكانته وموقعه الذي اكتسبه عنوة واقتدار ، والتاريخ يحفظ الرواد الأوائل من أبناء الطبقة الوسطى التي حلقت بنضالها وفكرها في سماوات الوطن عاليا ، خاضوا معركة التحرير الاولى ، لم يغريهم صولجان الإنجليز فاتبعوه ، من كل هؤلاء وأولئك تشرب الشريف معاني الوطنية الحقة ، وتمدد بها في فضاءات الحزب والوطن الفسيح.. نعم خسر الوطن والحزب برحيله المفاجئ ، وخسارة الحزب أكبر ، وتقدم بعد قامته المديدة وكارزميته الصارخة ، الاقزام ليتصدروا قيادته ، اقزام بلاتاريخ ولا مواقف ، استباحوا ذلك الارث العظيم ، وباعوه بثمن بخث في دلالات الانظمة الشمولية ، بئيس الرجال هم.
ويكفي مانثرته الكاتبة غادة السمان من كنانتها في حق الشريف ، حين تقول بأسى وحزن عن شخص سمعت به ولم تلتقيه.
المكان اثينا..
فندق الملك مينوس..
أذن هنا سقط شهيد المنفى ، الشريف حسين الهندي ، ذلك الانسان النبيل الذي لم التق به الا في سطور محبيه وعيون تلامذته.
.. هذا الرجل الذي ولد في افريقيا واحبها ، وحالف آسيا وحمل همها ، ومات في أوربا ،يذكرنا بعشرات النبلاء أمثاله ،الذين تساقطوا قبله في الغربة، وسيتساقطوا بعده في الغربة ، كي يردوا الوطن الينا من غربته..
هذا قدر المناضلين الصادقين.. الرحيل قبل الأوان ، وقدرنا أن نحزن عليهم ونأسى لغيابهم ، ولكن لهم علينا حق أن نخلد سيرتهم الناصعة في اركان التاريخ..
وهذا حقك علينا ايها الشريف.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى